باب {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ}
 
{صَعِيدًا} وَجْهَ الأَرْضِ وَقَالَ جَابِرٌ كَانَتْ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ عُمَرُ الْجِبْتُ السِّحْرُ وَالطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ شَيْطَانٌ وَالطَّاغُوتُ الْكَاهِنُ
4583- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا رِجَالاً فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّم"
قوله: "باب قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} هذا القدر مشترك في آيتي النساء والمائدة، وإيراد المصنف له في تفسير سورة النساء يشعر بأن آية النساء نزلت في قصة عائشة، وقد سبق ما فيه في كتاب التيمم. قوله: " {صَعِيداً} وجه الأرض" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} : تيمموا أي
(8/251)

تعمدوا. قال والصعيد وجه الأرض. قال الزجاج: لا أعلم خلافا بين أهل اللغة أن الصعيد وجه الأرض، سواء كان عليها تراب أم لا، ومنه قوله تعالى: {صَعِيداً} جرزا "و" صعيدا زلقا" وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد من الأرض. وقال الطبري بعد أن روى من طريق قتادة قال: الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. ومن طريق عمرو بن قيس قال: الصعيد التراب. ومن طريق ابن زيد قال: الصعيد الأرض المستوية. الصواب أن الصعيد وجه الأرض المستوية الخالية من الغرس والنبات والبناء، وأما الطيب فهو الذي تمسك به من اشترط في التيمم التراب، لأن الطيب هو التراب المنبت، قال الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} وروى عبد الرزاق من طريق ابن عباس: الصعيد الطيب الحرث. قوله: "وقال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد، كهان ينزل عليهم الشيطان" وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت فذكر مثله وزاد: "وفي هلال واحد" وقد تقدم نسب جهينة وأسلم في غزوة الفتح، وأما هلال فقبيلة ينتسبون إلى هلال بن عامر بن صعصعة، منهم ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وجماعة من الصحابة وغيرهم. قوله: "الجبت السحر والطاغوت الشيطان" وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده وعبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي، وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حسان من عمر في رواية رستة وحسان بن فائد بالفاء عبسا بالموحدة، قال أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات. وروى الطبري عن مجاهد مثل قول عمر وزاد: والطاغوت الشيطان له صورة إنسان يتحاكمون إليه، ومن طريق سعيد بن جبير وأبي العالية قال: الجبت الساحر، والطاغوت الكاهن. وهذا يمكن رده بالتأويل إلى الذي قبله. قوله: "وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان، والطاغوت الكاهن" وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عنه، وروى الطبري من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة قال: كنا نتحدث أن الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن. ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب. قال: وزعم. رجال أن الجبت الكاهن، والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف. واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس من كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا جنيا أو آدميا، فيدخل فيه الساحر والكاهن، والله أعلم. وأما قول عكرمة إن الجبت بلسان الحبشة الشيطان فقد وافقه سعيد بن جبير على ذلك، لكن عبر عنه بالساحر، أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال: الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن. وهذا مصير منهما إلى وقوع المعرب في القرآن، وهي مسألة اختلف فيها، فبالغ الشافعي وأبو عبيدة اللغوي وغيرهما في إنكار ذلك، فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين، وأجاز ذلك جماعة واختاره ابن الحاجب واحتج له بوقوع أسماء الأعلام فيه كإبراهيم فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس، وقد وقع في صحيح البخاري جملة من هذا، وتتبع القاضي تاج الدين السبكي ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبيات ذكرها في شرحه على المختصر، وعبر بقوله يجمعها هذه الأبيات فذكرها، وقد تتبعت بعده زيادة كثيرة على ذلك تقرب من عدة ما أورد، ونظمتها أيضا، وليس جميع ما أورده هو متفقا على أنه من ذلك، لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك، وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة، فأول بيت منها من نظمي والخمسة التي تليه له وباقيها لي أيضا فقلت:
(8/252)

من المعرب عد التاج "كز: وقد ... ألحقت "كد" وضمتها الأساطير
السلسبيل وطه كورت بيع ... روم وطوبي وسجيل وكافور
والزنجيل ومشكاة سرادق مع ... استبرق صلوات سندس طور
كذا قراطيس ربانيهم وغسا ... ق ثم دينار القسطاس مشهور
كذاك كسورة واليم ناشئة ... ويؤت كفلين مذكور ومستور
له مقاليد فردوس يعد كذا فيما ... حكى ابن دريد منه تنور
وزدت حرم ومهل والسجل كذا ... السرى والأب ثم الجبت مذكور
وقطنا بناه ثم متكأ ... دارست يصهر منه فهو مصهور
وهيت والسكر الأواه مع حصب ... وأوبي معه والطاغوت منظور
صرهن أصرى وغيض الماء مع وزر ... ثم الرقيم مناص والسنا النور
والمراد بقولي "كز: أن عدة ما ذكره التاج سبعة وعشرون وبقولي "كد" أن عدة ما ذكرته أربعة وعشرون وأنا معترف أنني لم أستوعب ما يستدرك عليه، فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء تقدم منها في هذا الشرح الرحمن وراعنا، وقد عزمت أني إذا أتيت على آخر شرح هذا التفسير إن شاء الله تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادة في ذلك منظوما إن شاء الله تعالى. ثم أورد المصنف طرفا من حديث عائشة في سقوط عقدها ونزول آية التيمم، وقد مضى شرحه مستوفي في كتاب التيمم.
(8/253)