باب {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ عَذَابًا وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}
 
4648- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَنَزَلَتْ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ
[الحديث 4648- طرفه في: 4649]
قوله: "باب قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ} الآية" كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية. قوله: "قال ابن عيينة إلخ" كذا في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه قال: ويقول ناس ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذابا، ولكن تسميه العرب الغيث يريد قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} كذا وقع في تفسير حم عسق، وقد تعقب كلام ابن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى : {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} فالمراد به هنا الغيث قطعا، معنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك. وقال أبو عبيدة: إن كان من العذاب فهو أمطرت، وإن كان من الرحمة فهو مطرت. وفيه مطرت. وفيه نظر أيضا. قوله: "حدثني أحمد" كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، وقد روى البخاري الحديث المذكور بعينه عقب هذا عن محمد بن النضر أخي أحمد هذا، قال الحاكم: بلغني أن البخاري كان ينزل عليهما ويكثر الكمون عندهما إذا قدم نيسابور. قلت: وهما من طبقة مسلم وغيره من تلامذة البخاري وإن شاركوه في بعض شيوخه. وقد أخرج مسلم هذا الحديث بعينه عن شيخهما عبيد الله بن معاذ نفسه، وعبيد الله بن معاذ المذكور من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، فنزل في هذا الإسناد درجتين لأن عنده الكثير عن أصحاب شعبة بواسطة واحدة بينه وبين شعبة، قال الحاكم: أحمد بن النضر يكنى أبا
(8/308)

الفضل وكان من أركان الحديث انتهى. وليس له في البخاري ولا لأخيه سوى هذا الموضع. وقد روى البخاري عن أحمد في التاريخ الصغير ونسبه. قوله: "عن عبد الحميد صاحب الزيادي" هو عبد الحميد بن دينار تابعي صغير، ويقال له ابن كرديد بضم الكاف وسكون الراء وكسر الدال المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم دال أخرى، ووقع كذلك في بعض النسخ، والزيادي الذي نسب إليه من ولد زياد الذي يقال له ابن أبي سفيان. قوله: "قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا إلخ" ظاهر في أنه القائل ذلك، وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة فعله بدأ به ورضي الباقون فنسب إليهم، وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال: فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي، ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه، ولكن نسبته إلى أبي جهل. وعن قتادة قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها. وروى ابن جرير من طريق يزيد بن رومان أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللهم، فأنزل الله {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن معنى قوله: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي من سبق له من الله أنه سيؤمن، وقيل المراد من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين، قاله الضحاك وأبو مالك ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق ابن أبزى قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية، فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى. وروى الترمذي من حديث أبي موسى رفعه قال: "أنزل الله على أمتي أمانين" فذكر هذه الآية. قال: "فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار" ، وهو يقوي القول الأول والحمل عليه أولى، وأن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم وصدهم عن المسجد الحرام، والله أعلم.
(8/309)