باب {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
 
4653- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُم"
قوله باب {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا} الآية "زاد غير أبي ذر" إلى قوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} . قوله: "أخبرني الزبير بن الخريت" بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية بصري ثقة من صغار التابعين، وقد تقدم ذكره في كتاب المظالم. ولجرير بن حازم راوي هذا الحديث عن الزبير بن الخريت شيخ آخر أخرجه ابن مردويه من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في تفسيره عن وهب ابن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق" حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس" وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زياد بن أيوب عن وهب بن جرير عن أبيه عن الزبير، وهو مما يؤيد أن لجرير فيه طريقين، ولفظ رواية عطاء "افترض الله عليهم أن يقاتل الواحد عشرة، فشق عليهم، فوضع الله عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين" ثم ذكر الآية وزاد بعدها "ثم قال لولا كتاب من الله سبق" فذكر تفسيرها ثم قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى} فذكر قول العباس في العشرين وفي قوله: "فأعطاني عشرين عبدا كلهم قد تاجر بمالي مع ما أرجوه من مغفرة الله تعالى". قلت: وفي سند طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة، وصنيع ابن إسحاق - وتبعه الطبراني وابن مردويه - يقتضي أنها موصولة، والعلم عند الله تعالى.
قوله:
(8/312)

"شق ذلك على المسلمين" زاد الإسماعيلي من طريق سفيان بن أبي شيبة عن جرير "جهد الناس ذلك وشق عليهم" . قوله: "فجاء التخفيف" في رواية الإسماعيلي:"فنزلت الآية الأخرى - وزاد - ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثلهم" واستدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما، سواء طلبه أو طلبهما، سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر، وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس ورجحه ابن الصباغ من الشافعية وهو المعتمد لوجود نص الشافعي عليه في الرسالة الجديدة رواية الربيع ولفظه ومن نسخة عليها خط الربيع نقلت قال بعد أن ذكر للآية آيات في كتابه أنه وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين، ثم ذكر حديث ابن عباس المذكور في الباب وساق الكلام عليه، لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة جاز له التولي عنهما جزما، وإن طلبهما فهل يحرم؟ وجهان أصحهما عند المتأخرين لا، لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن ابن عباس يأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف الناس بالمراد، لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين اثنين من الكفار، أما المنفرد وحده بغير العسكر فلا، لأن الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص المنفرد، وهذا فيه نظر، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه سرية وحده. وقد استوعب الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن ابن عباس وفي غالبها التصريح بمنع تولي الواحد عن الاثنين، واستدل ابن عباس في بعضها بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} وبقوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} . قوله: "فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر" كذا في رواية ابن المبارك. وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند الإسماعيلي: "نقص من النصر" وهذا قاله ابن عباس توقيفا على ما يظهر، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء.
(8/313)