باب {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} أَذَانٌ إِعْلاَمٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُذُنٌ يُصَدِّقُ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ وَالزَّكَاةُ الطَّاعَةُ وَالإِخْلاَصُ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُضَاهُونَ يُشَبِّهُون"
 
قوله: "باب قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} - إلى – {الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . أذان إعلام" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال علم من الله، وهو مصدر من قولك أذنتهم أي أعلمتهم. قوله: "وقال ابن عباس: أذن يصدق" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "ويقولون هو أذن" يعني أنه يسمع من كل أحد، قال الله {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} يعني يصدق بالله، وظهر أن يصدق تفسير يؤمن لا تفسير أذن كما يفهمه صنيع المصنف حيث اختصره. قوله: "تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير" وفي بعض النسخ "ومثل هذا كثير" أي في القرآن، ويقال التزكية "والزكاة الطاعة والإخلاص" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} قال: الزكاة طاعة الله والإخلاص. قوله: "لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله. وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادا. وفي تفسير ابن عباس الزكاة بالطاعة والتوحيد دفع لاحتجاج من احتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. قوله: "يضاهون يشبهون" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي يشبهون. وقال أبو عبيدة: المضاهاة التشبيه. ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت، فأما الآية فتقدم حديث ابن عباس في سورة البقرة وأن آخر آية نزلت آية الربا، ويجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب ما اطلعا عليه، وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد آخرية مخصوصة، وأما السورة فالمراد بعضها أو معظمها وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر وقد نزل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر، فالظاهر أن المراد. معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في تفسير {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أنها آخر سورة نزلت وأذكر الجمع هناك إن شاء الله تعالى. وقد قيل في آخرية نزول براءة أن المراد بعضها، فقيل قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} الآية وقيل {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وأصح
(8/316)

الأقوال في آخرية الآية قوله تعالى: {واتْقُوا يَومَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللهِ} كما تقدم في البقرة، ونقل ابن عبد السلام "آخر آية نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوما ثم نزلت آية البقرة" والله أعلم.
(8/317)

باب {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرا...}
...