باب {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وَقَالَ غَيْرُهُ وَحَاقَ نَزَلَ يَحِيقُ يَنْزِلُ يَئُوسٌ فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَبْتَئِسْ تَحْزَنْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الْحَقِّ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ مِنْ اللَّهِ إِنْ اسْتَطَاعُوا"
 
4681- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ (أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِم"
[الحديث 4681- طرفاه في: 4682، 4683]
4682- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ (أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ) قُلْتُ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ مَا تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ
(8/349)

امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي فَنَزَلَتْ {أَلاَ إِنَّهُمْ يثنون صُدُورُهُمْ} "
4683- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ { أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} و قَالَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْتَغْشُونَ يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ سِيءَ بِهِمْ سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ وَضَاقَ بِهِمْ بِأَضْيَافِهِ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ بِسَوَادٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِلَيْهِ أُنِيبُ أَرْجِع"
قوله: "أخبرني محمد بن عباد بن جعفر" هكذا رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج، وتابعه حجاج عند أحمد. وقال أبو أسامة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أخرجه الطبري. قوله: "أنه سمع ابن عباس يقرأ {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ} يعني بفتح أوله بتحتانية وفي رواية بفوقانية وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل، وهو بناء مبالغة كأعشوشب، لكن جعل الفعل للصدور، وأنشد الفراء لعنترة:
وقولك للشيء الذي لا تناله ... إذا ما هو احلولي ألا ليت ذا ليا
وحكى أهل القراآت عن ابن عباس في هذه الكلمة قراآت أخرى وهي يثنون بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون وهو ما هش وضعف من النبات، وقراءة ثالثة عنه أيضا بوزن يرعوي. وقال أبو حاتم السجستاني: في هذه القراءة غلط إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى. قلت: وفي الشواذ قراآت أخرى ليس هذا موضع بسطها. قوله: "أناس كانوا يستخفون أن يتخلوا" أي أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، وحكى ابن التين أنه روى يتحلوا بالمهملة. وقال الشيخ أبو الحسن يعني القابسي أنه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه. قلت: والأول أولى. وفي رواية أبي أسامة: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء. قوله: "في رواية عمرو "هو ابن دينار" قال قرأ ابن عباس ألا إنهم يثنون صدورهم" ضبط أوله بالياء التحتانية وبنون آخره وصدورهم بالنصب على المفعولية وهي قراءة الجمهور، كذا للأكثر ولأبي ذر كالذي قبله، ولسعيد بن منصور عن ابن عيينة يثنوني أوله تحتانية وآخره تحتانية أيضا، وزاد وعن حميد الأعرج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك. قوله: "وقال غيره" أي عن ابن عباس "يستغشون يغطون رءوسهم" الضمير في غيره يعود على عمرو بن دينار، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وتفسير التغشي بالتغطية متفق عليه. وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف، وهذا مقبول من مثل ابن عباس، يقال منه استغشى بثوبه وتغشاه. وقال الشاعر "وتارة أتغشى فضل أطماري" . قوله: "سيء بهم ساء ظنه بقومه وضاق بهم بأضيافه" هو تفسير ابن عباس، وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في هذه الآية {لَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} ساء ظنا بقومه وضاق زرعا بأضيافه، ويلزم منه اختلاف الضميرين، وأكثر المفسرين على اتحادهما. وصله ابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال: ساءه مكانهم لما رأى بهم من الجمال. قوله: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} بسواد" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بطائفة من الليل. قوله: "وقال مجاهد إليه أنيب أرجع"
(8/350)

كذا للأكثر، وسقط لأبي ذر نسبته إلى مجاهد فأوهم أنه عن ابن عباس كما قبله، وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن نجيح عن مجاهد بهذا، ووقع للأكثر قبيل قوله: "باب وكان عرشه على الماء" . قوله سجيل الشديد الكبير سجيل وسجين واحد بن واللام والنون أختان وقال تميم بن مقبل:
ورجلة يضربون البيض ضاحية ... ضربا تواصى به الأبطال سجينا
هو كلام أبي قال في قوله تعالى {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} هو الشديد من الحجارة الصلب ومن الضرب أيضا قال بن مقبل فذكره قال وقوله سجيلا أي شديدا وبعضهم يحول اللام نونا وقال في موضع آخر السجيل الشديد الكثير وقد تعقبه بن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد لما دخلت عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد ويمكن أن يكون الموصوف حذف أبي عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ضاحية بقوله عن عرض وهو بضمتين وضاد معجمة وسيأتي قول بن عباس ومن تبعه إن الكلمة فارسية في تفسير سورة الفيل وقد قال الأزهري أن ثبت أنها فارسية فقد تكلمت بها العرب فصارت وقيل هو اسم لسماء الدنيا وقيل بحر معلق بين السماء والأرض نزلت منه الحجارة وقيل هي جبال في السماء تنبيه تميم بن مقبل هو بن خبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري ثم العجلاني شاعر مخضرم أدرك في الجاهلية والإسلام وكان أعرابيا جافيا وله قصة مع عمر ذكره المرزباني ورجله بفتح الراء ويجوز كسرها على تقدير ذوي رجلة والجيم ساكنة وحكى بن التين في هذه الحاء المهملة والبيض بفتح الموحدة جمع بيضة وهي الخوذة أو بكسرها جمع أبيض وهو السيف فعلى الأول المراد مواضع البيض وهي الرءوس وعلى الثاني المراد يضربون بالبيص على نزع الخافض والأول أوجه وضاحية أي ظاهرة أو المراد في وقت الضحوة وتواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين وروى تواصت بمثناة بدل التحتانية في آخره وقوله سجينا بكسر المهملة وتشديد الجيم قال الحسن بن المظفر هو فعيل من السجن كأنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه وعن بن الأعرابي أنه رواه بالخاء المعجمة بدل الجيم أي ضربا حارا قوله استعمركم جعلكم عمارا أعمرته الدار فهي عمري سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة قوله نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد هو قول أبي عبيدة وأنشد وأنكرتني وما كان الذي نكرت قوله حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد كذا وقع هنا والذي في كلام أبي عبيدة حميد مجيد أي محمود وهذا هو الصواب والحميد فعيل من حمد فهو حامد أي يحمد من يطيعه أو هو حميد بمعنى محمود والمجيد فعيل من مجد بضم الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرفعة قوله اجرامى مصدر أجرمت وبعضهم يقول جرمت هو كلام أبي عبيدة وأنشد:
طريد عشيرة ورهين ذنب ... بما جرمت يدي وجنى لساني
وجرمت بمعنى كسبت وقد تقدم قريبا قوله الفلك والفلك واحد والسفن كذا وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام في الأولى وفتحها في الثانية ولآخرين بفتحتين في الأولى وبضم ثم سكون في الثانية ورجحه بن التين وقال الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد قال عياض: ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما
(8/351)

جميعا وهو الصواب والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد وقد ورد ذلك في القرآن فقد قال في الواحد في الفلك المشحون وقال في الجمع {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} والذي في كلام أبي عبيدة الفلك واحد وجمع والسفن وهذا أوضح في المراد قوله مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مجراها من جرت هي ومرسيها من رست ومجريها ومرسيها من فعل به قال أبو عبيدة في قوله تعالى بسم الله مجراها أي مسيرها وهي من جرت بهم ومن قرأها بالضم فهو من أجريتها أنا ومرساها أي وقفها وهو مصدر أي ارسيتها أنا انتهى ووقع في بعض الشروح مجراها موقفها بواو وقاف وفاء وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ ثم وجدت بن التين حكاها عن رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي قال وليس بصحيح لأنه فاسد المعنى والصواب ما في الأصل بدال ثم فاء ثم عين تنبيه الذي قرأ بضم الميم في مجراها الجمهور وقرأ الكوفيون حمزة روينا وحفص عن عاصم بالفتح وأبو بكر عن عاصم كالجمهور وقرءوا كلهم في المشهور بالضم في مرساها وعن بن مسعود فتحها أيضا رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن وفي قراءة يحيى بن وثاب مجريها ومرسيها بضم أولهما وكسر الراء والسين أي الله فاعل ذلك قوله {رَاسِيَاتٍ} ثابتات قال أبو عبيدة في قوله تعالى {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} أي ثقال ثابتات عظام وكأن المصنف ذكرها استطرادا لما ذكر مرساها قوله ثم وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر هو قول أبي لكن قال وهو العادل عن الحق وقال بن قتيبة المعارض المخالف قوله ويقول الأشهاد واحدة شاهد مثل صاحب وأصحاب هو كلام أبي عبيدة أيضا واختلف في المراد بهم هنا فقيل الأنبياء وقيل الملائكة أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وعن زيد بن أسلم الأنبياء والملائكة والمؤمنون وهذا أعم وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق الخلائق وهذا أعم من الجميع.
(8/352)