باب {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} عَذَابَ الْحَيَاةِ عَذَابَ الْمَمَاتِ خِلاَفَكَ وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ {وَنَأَى} تَبَاعَدَ {شَاكِلَتِهِ} نَاحِيَتِهِ وَهِيَ مِنْ شَكْلِهِ {صَرَّفْنَا} وَجَّهْنَا {قَبِيلًا} مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً وَقِيلَ الْقَابِلَةُ لأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا {خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ وَنَفِقَ الشَّيْءُ ذَهَبَ {قَتُورًا} مُقَتِّرًا {لِلأَذْقَانِ} مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَالْوَاحِدُ ذَقَنٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَوْفُورًا} وَافِرًا {تَبِيعًا} ثَائِرًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَصِيرًا {خَبَتْ} طَفِئَتْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لاَ تُبَذِّرْ} لاَ تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ} رِزْقٍ {مَثْبُورًا} مَلْعُونًا {لاَ تَقْفُ} لاَ تَقُلْ {فَجَاسُوا} تَيَمَّمُوا {يُزْجِي الْفُلْكَ} يُجْرِي الْفُلْكَ {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} لِلْوُجُوهِ.
 
(8/392)

قوله: باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} كرمنا وأكرمنا واحد "أي في الأصل، وإلا فالتشديد أبلغ، قال أبو عبيد: كرمنا أي أكرمنا إلا أنها أشد مبالغة في الكرامة انتهى. وهي من كرم بضم الراء مثل شرف وليس من الكرم الذي هو في المال. قوله: {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} عذاب الحياة وعذاب الممات" قال أبو عبيدة في قوله: {ضِعْفَ الْحَيَاةِ} مختصر، والتقدير ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات. وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {ضِعْفَ الْحَيَاةِ} قال: عذابها "وضعف الممات" قال: عذاب الآخرة. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ضعف عذاب الدنيا والآخرة. ومن طريق سعيد عن قتادة مثله. وتوجيه ذلك أن عذاب النار يوصف بالضعف، قال: لقوله تعالى: { عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} أي عذابا مضاعفا، فكأن الأصل لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف؛ فهو كما لو قيل أليم الحياة مثلا. قوله: "خلافك وخلفك سواء" قال أبو عبيدة في قوله: {وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي بعدك قال: خلافك وخلقك سواء، وهما لغتان بمعنى؛ وقرئ بهما. قلت: والقراءتان مشهورتان، فقرأ خلفك الجمهور، وقرأ خلافك ابن عامر والإخوان، وهي رواية حفص عن عاصم. قوله: "ونأى تباعد" هو قول أبي عبيدة، قال في قوله: {وَنَأَى بِجَانِبِه} أي تباعد. قوله: "شاكلته ناحيته وهي من شكلته" وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {عَلَى شَاكِلَتِهِ} قال: على ناحيته، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: على طبيعته وعلى حدته، ومن طريق سعيد عن قتادة قال: يقول على ناحيته وعلى ما ينوي. وقال أبو عبيدة: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي على ناحيته وخلقته، ومنها قولهم هذا من شكل هذا. قوله: "صرفنا وجهنا" قال أبو عبيدة في قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} أي وجهنا وبينا. قوله: "حصيرا محبسا1"هو قول أبي عبيدة أيضا، وهو بفتح الميم وكسر الموحدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "حصيرا" أي سجنا. قوله: "قبيلا معاينة ومقابلة. وقيل القابلة لأنها مقابلتها وتقبل ولدها" قال أبو عبيدة: {وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} مجاز مقابلة أي معاينة، قال الأعشى: "كصرخة حبلى بشرتها قبيلها" أي قابلتها. وقال ابن التين: ضبط بعضهم تقبل ولدها بضم الموحدة وليس بشيء، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة "قبيلا أي جندا تعاينهم معاينة" . قوله: "خشية الإنفاق، يقال أنفق الرجل أملق ونفق الشيء ذهب" كذا ذكره هنا، والذي قاله أبو عبيدة في قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} أي من ذهاب مال، يقال أملق فلان ذهب ماله. وفي قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} أي فقر، وقوله: "نفق الشيء ذهب" هو بفتح الفاء ويجوز كسرها هو قول أبي عبيدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: خشية الإنفاق أي خشية أن ينفقوا فيفتقروا. قوله: "قتورا مقترا" هو قول أبي عبيدة أيضا. قوله: "للأذقان مجتمع اللحيين، الواحد ذقن" هو قول أبي عبيدة أيضا، وسيأتي له تفسير آخر قريبا، واللحيين بفتح اللام ويجوز كسرها تثنية لحية. قوله: "وقال مجاهد: موفورا وافرا" وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه سواء. قوله: "تبيعا ثائرا. وقال ابن عباس: نصيرا" أما قول مجاهد فوصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: تقدم ذلك وكتب عليه الشارح، وليس بالمتن الذي بأيدينا.
(8/393)

بِهِ تَبِيعاً} أي ثائرا؛ وهو اسم فاعل من الثأر، يقال لكل طالب ثأر وغيره تبيع وتابع، ومن طريق سعيد عن قتادة أي لا تخاف أن تتبع بشيء من ذلك. وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: {تَبِيعاً} قال: نصيرا. قوله: "لا تبذر لا تنفق في الباطل" وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: "ولا تبذر" : لا تنفق في الباطل، والتبذير السرف في غير حق. ومن طريق عكرمة قال: المبذر المنفق في غير حق، ومن طرق متعددة عن أبي العبيدين - وهو بلفظ التصغير والتثنية - عن ابن مسعود مثله وزاد في بعضها "كنا أصحاب محمد نتحدث أن التبذير النفقة في غير حق" . قوله: "ابتغاء رحمة رزق" وصله الطبري من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} قال: ابتغاء رزق، ومن طريق عكرمة مثله، ولابن أبي حاتم من طريق إبراهيم النخعي في قوله: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} قال فضلا. قوله: "مثبورا ملعونا" وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن وجه آخر عن سعيد بن جبير عنه، ومن طريق العوفي عنه قال: مغلوبا، ومن طريق الضحاك مثله، ومن طريق مجاهد قال: هالكا، ومن طريق قتادة قال: مهلكا، ومن طريق عطية قال: مغيرا مبدلا؛ ومن طريق ابن زيد بن أسلم قال: مخبولا لا عقل له. قوله: "فجاسوا تيمموا" أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} أي فمشوا. وقال أبو عبيدة: جاس يجوس أي نقب، وقيل: نزل وقيل قتل وقيل تردد وقيل هو طلب الشيء باستقصاء وهو بمعني نقب. قوله: "يزجي الفلك يجري الفلك" وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه به، ومن طريق سعيد عن قتادة {يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} أي يسيرها في البحر. قوله: "يخرون للأذقان للوجوه" وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله. وعن معمر عن الحسن للحي، وهذا يوافق قول أبي عبيدة الماضي، والأول على المجاز.
(8/394)