باب {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
 
4818- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ الْقَرَابَةِ
حديث طاوس "عن ابن عباس سئل عن تفسيرها، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت" أي أسرعت في التفسير. وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ الحديث، وإسناده ضعيف، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح. والمعنى إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال احفظوا للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة. ثم ذكر ما تقدم عن عكرمة في سبب نزول (1) وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم، وإسناده واه فيه ضعيف ورافضي. وذكر الزمخشري هنا أحاديث ظاهر وضعها، ورده الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاوس في حديث الباب، وبما نقله الشعبي عنه، وهو المعتمد. وجزم بأن الاستثناء منقطع. وفي سبب نزولها قول آخر ذكره الواحدي عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس بيده شيء، فجمع له الأنصار مالا فقالوا: يا رسول الله إنك ابن أختنا، وقد هدانا الله بك، وتنوبك النوائب وحقوق وليس لك سعة، فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به علينا، فنزلت. وهذه من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء. وأخرج من طريق مقسم عن ابن عباس أيضا قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنصار شيء فخطب فقال ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي الحديث، وفيه فجثوا على الركب وقالوا أنفسنا وأموالنا لك فنزلت. وهذا أيضا ضعيف ويبطله أن الآية مكية والأقوى في سبب نزولها صلى الله عليه وسلم عن قتادة قال: قال المشركون لعل محمدا يطلب أجرا على ما يتعاطاه فنزلت. وزعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة، ورده الثعلبي بأن الآية دالة على الأمر بالتودد إلى الله بطاعته أو باتباع نبيه أو صلة رحمه بترك أذيته أو صلة أقاربه من أجله وكل ذلك مستمر الحكم غير منسوخ، والحاصل أن سعيد بن جبير ومن وافقه كعلي بن الحسين والسدي وعمرو بن شعيب فيما أخرجه الطبري عنهم حملوا الآية على أمر المخاطبين بأن يواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم،
ـــــــ
(1) بياض بأصله.
(8/564)

وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه، فعلى الأول الخطاب عام لجميع المكلفين، وعلى الثاني الخطاب خاص بقريش. ويؤيد ذلك أن السورة مكية. وقد قيل إن هذه الآية نسخت بقوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} ويحتمل أن يكون هذا عاما خص بما دلت عليه آية الباب، والمعنى أن قريشا كانت تصل أرحامها، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال: صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم. وقد روى سعيد بن منصور من طريق الشعبي قال: أكثروا علينا في هذه الآية، فكتبت إلى ابن عباس أسأله عنها فكتب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش، لم يكن حي من أحياء قريش إلا ولده، فقال الله {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاَّ المَوَدَةَ فِي القُرْبَىَ" تودوني بقرابتي منكم، وتحفظوني في ذلك. وفيه قول ثالث أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} على ما جئتكم به من البينات والهدى إلا أن تقربوا إلى الله بطاعته، وفي إسناده ضعف. وثبت عن الحسن البصري نحوه، والأجر على هذا مجاز. وقوله: "القربى" هو مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة، والمراد في أهل القربى، وعبر بلفظ: "في" دون اللام كأنه جعلهم مكانا للمودة ومقرا لها، كما يقال لي في آل فلان هوى أي هم مكان هواي، ويحتمل أن تكون "في" سببية، وهذا على أن الاستثناء متصل، فإن كان منقطعا فالمعنى لا أسألكم عليه أجرا قط، ولكن أسألكم أن تودوني بسب قرابتي فيكم
(8/565)



الموضوع التالي


سورة حم الزُّخْرُفِ

الموضوع السابق


سُورَةُ حم عسق