سورة الْفَتْحِ
 
وَقَالَ مُجَاهِدٌ بُورًا هَالِكِينَ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} السَّحْنَةُ وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ التَّوَاضُعُ {شَطْأَهُ} فِرَاخَهُ {فَاسْتَغْلَظَ} غَلُظَ {سُوقِهِ} السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ وَيُقَالُ {دَائِرَةُ السَّوْءِ} كَقَوْلِكَ رَجُلُ السَّوْءِ وَدَائِرَةُ السُّوءِ الْعَذَابُ {تُعَزِّرُوهُ} تَنْصُرُوهُ {شَطْأَهُ} شَطْءُ السُّنْبُلِ تُنْبِتُ الْحَبَّةُ عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَآزَرَهُ} قَوَّاهُ وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يُنْبِتُ مِنْهَا"
قوله: "سورة الفتح. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم" سقطت البسملة لغير أبي ذر. قوله: "وقال مجاهد: بورا هالكين" وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، وسقط لغير أبي ذر. وقال أبو عبيدة: ويقال بار الطعام أي هلك، ومنه قول عبد الله بن الزبعرى:
يا رسول الله المليك إن لساني ... رائق ما فتقت إذ أنا بور
أي هالك. قوله: "سيماهم في وجوههم: السحنة" وفي رواية المستملي والكشميهني والقابسي "السجدة" والأول أولى، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الحاكم عن مجاهد كذلك، والسحنة بالسين وسكون الحاء المهملتين وقيده ابن السكن والأصيلي بفتحهما قال عياض وهو الصواب عند أهل اللغة، وهو لين البشرة والنعمة، وقيل الهيئة،
(8/581)

وقيل الحال انتهى. وجزم ابن قتيبة بفتح الحاء أيضا وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء. وقال العكبري: السحنة بفتح أوله وسكون ثانية لون الوجه. ولرواية المستملي ومن وافقه توجيه لأنه يريد بالسجدة أثرها في الوجه يقال لأثر السجود في الوجه سجدة وسجادة، ووقع في رواية النسفي "المسحة" . قوله: "وقال منصور عن مجاهد: التواضع" وصله علي بن المديني عن جرير عن منصور، ورويناه في "الزهد" لابن المبارك وفي "تفسير عبد بن حميد" وابن أبي حاتم عن سفيان وزائدة كلاهما عن منصور عن مجاهد قال: هو الخشوع، زاد في رواية زائدة "قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون" . قوله: "شطأه فراخه، فاستغلظ غلظ، سوقه الساق حاملة الشجرة" قال أبو عبيدة في قوله: "كزرع أخرج شطأه" أخرج فراخه، يقال قد أشطأه الزرع فآزره ساواه صار مثل الأم، فاستغلظ غلظ، فاستوى على سوقه الساق حاملة الشجر. وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: "كزرع أخرج شطأه" قال: ما يخرج بجنب الحقلة فيتم وينمى، وبه في قوله: "على سوقه" قال: على أصوله. قوله: "شطأه شطء السنبل تنبت الحبة عشرا أو ثمانيا وسبعا فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى: {فَآزَرَهُ} قواه، ولو كانت واحدة لم تقم على ساق، وهو مثل ضربه الله للنبي صلى الله عليه وسلم إذ خرج وحده ثم قواه بأصحابه كما قوى الحبة بما ينبت منها"1 . قوله: "دائرة السوء كقولك رجل السوء، ودائرة السوء العذاب" هو قول أبي عبيدة قال المعنى تدور عليهم.
" تنبيه " : قرأ الجمهور السوء بفتح السين في الموضعين، وضمها أبو عمرو وابن كثير. قوله: "يعزروه ينصروه" قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: "ويعزروه" قال: ينصروه، وقد تقدم في الأعراف "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه" وهذه ينبغي تفسيرها بالتوقير فرارا من التكرار، والتعزير يأتي بمعنى التعظيم والإعانة والمنع من الأعداء، ومن هنا يجيء التعزير بمعنى التأديب لأنه يمنع الجاني من الوقوع في الجناية، وهذا التفسير على قراءة الجمهور، وجاء في الشواذ عن ابن عباس "يعزروه" بزاءين من العزة. ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث: الحديث الأول:
ـــــــ
(1) كذا بالنسخ ولم يذكر المؤلف هنا شيئا ولعله كان بيض له فتركه النساخ
(8/582)