باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}
 
4833- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا
(8/582)

فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} "
4834- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ الْحُدَيْبِيَة"
4835- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَعَلْت"
قوله: "عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر" هذا السياق صورته الإرسال، لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه "قال عمر فحركت بعيري إلخ" وإلى ذلك أشار القابسي، وقد جاء من طريق أخرى سمعت عمر" أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ثم قال: "لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا ابن عثمة وابن غزوان" انتهي. ورواية ابن غزوان - وهو عبد الرحمن أبو نوح المعروف بقراد - قد أخرجها أحمد عنه، واستدركها مغلطاي على البزار ظانا أنه غير ابن غزوان، وأورده الدار قطني في "غرائب مالك" من طريق هذين ومن طريق يزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب وإسحاق الحنيني أيضا، فهؤلاء خمسة رووه عن مالك بصريح الاتصال، وقد تقدم في المغازي أن الإسماعيلي أيضا أخرج طريق ابن عثمة، وكذا أخرجها الترمذي، وجاء في رواية الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن السفر المذكور هو عمرة الحديبية، وكذا في رواية معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال: "لما رجعنا من الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة فنزلت: {وسيأتي حديث سهل بن حنيف في ذلك قريبا. واختلف في المكان الذي نزلت فيه: فوقع عند محمد بن سعد بضجنان وهي بفتح المعجمة وسكون الجيم ونون خفيفة، وعند الحاكم في "الإكليل" بكراع الغميم، وعن أبي معشر بالجحفة، والأماكن الثلاثة متقاربة. قوله: "فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه" يستفاد منه أنه ليس لكل كلام جواب، بل السكوت قد يكون جوابا لبعض الكلام. وتكرير عمر السؤال إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهما عنده، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك، وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من نزول الوحي. قوله: "ثكلت" بكسر الكاف "أم عمر" في رواية الكشميهني: "ثكلتك أم عمر" والثكل فقدان المرأة ولدها، دعا عمر على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح، ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها. قوله: "نزرت" بزاي ثم راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر، أي ألححت عليه قاله ابن فارس والخطابي. وقال الداودي: معنى المثقل أقللت كلامه إذا سألته ما لا يجب أن يجيب عنه، وأبعد من فسر نزرت براجعت. قوله: "فما نشبت" بكسر المعجمة بعدها موحدة ساكنة، أي لم أتعلق بشيء غير ما ذكرت. قوله: "أن سمعت صارخا يصرخ بي" لم أقف على اسمه. قوله: "لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح، قال ابن العربي: أطلق المفاضلة
(8/583)

بين المنزلة التي أعطيها وبين ما طلعت عليه الشمس، ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر، ولا استواء بين تلك المنزلة والدنيا بأسرها. وأجاب ابن بطال بأن معناه أنها أحب إليه من كل شيء لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا إذ لا شيء سواها إلا الآخرة. وأجاب ابن العربي بما حاصله: أن أفعل قد لا يراد بها المفاضلة كقوله: {خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ولا مفاضلة بين الجنة والنار، أو الخطاب وقع على ما استقر في أنفس أكثر الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها أو أنها المقصودة فأخبر بأنها عنده خير مما يظنون أن لا شيء أفضل منه انتهى. ويحتمل أن يراد المفاضلة بين ما دلت عليه وبين ما دل عليه غيرها من الآيات المتعلقة به فرجحها، وجميع الآيات وإن لم تكن من أمور الدنيا لكنها أنزلت لأهل الدنيا فدخلت كلها فيما طلعت عليه الشمس. قوله سمعت قتادة عن أنس "إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال: الحديبية" هكذا أورده مختصرا، وقد أخرجه في المغازي بأتم من هذا، وبين أن بعض الحديث عن أنس موصول وبعضه عن عكرمة مرسل، وسمي ما وقع في الحديبية فتحا لأنه كان مقدمة الفتح وأول أسبابه، وقد تقدم شرح ذلك مبينا في كتاب المغازي. الحديث الثالث. قوله: "عن عبد الله بن مغفل" بالمعجمة والفاء وزن محمد. قوله: "فرجع فيها" أي ردد صوته بالقراءة، وقد أورده في التوحيد من طريق أخرى بلفظ: "كيف ترجيعه؟ قال: إإإ ثلاث مرات" قال القرطبي: هو محمول على إشباع المد في موضعه، وقيل كان ذلك بسبب كونه راكبا فحصل الترجيع من تحريك الناقة. وهذا فيه نظر لأن في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي: "وهو يقرأ قراءة لينة، فقال: لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن" وكذا أخرجه أبو عبيدة في "فضائل القرآن" عن أبي النضر عن شعبة، وسأذكر تحرير هذه المسألة في شرح حديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" .
(8/584)

باب {ليغفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما}
...