سورة اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ
 
قَالَ مُجَاهِدٌ {مُسْتَمِرٌّ} ذَاهِبٌ {مُزْدَجَرٌ} مُتَنَاهٍ {وَازْدُجِرَ} فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا {دُسُرٍ} أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يَقُولُ كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنْ اللَّهِ {مُحْتَضَرٌ} يَحْضُرُونَ الْمَاءَ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ {مُهْطِعِينَ} النَّسَلاَنُ الْخَبَبُ السِّرَاعُ وَقَالَ غَيْرُهُ {فَتَعَاطَى} فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا {الْمُحْتَظِرِ} كَحِظَارٍ مِنْ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ {ازْدُجِرَ} افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ كُفِرَ فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ {مُسْتَقِرٌّ} عَذَابٌ حَقٌّ يُقَالُ الأَشَرُ الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ
"سورة اقتربت الساعة. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}"كذا لأبي ذر، ولغيره "اقتربت الساعة" حسب، وتسمى أيضا سورة القمر. قوله: "وقال مجاهد مستمر ذاهب" وصله الفريابي من طريقه ولفظه: "في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قال: رأوه منشقا فقالوا هذا سحر ذاهب" وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس فذكر الحديث المرفوع، وفي آخره: "تلا الآية إلى قوله: "سحر مستمر" قال: يقول ذاهب، ومعنى ذاهب أي سيذهب ويبطل، وقيل سائر. قوله: "مزدجر متناهي" وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد في قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} قال: هذا القرآن. ومن طريق عمر بن عبد العزيز قال: "أحل فيه الحلال وحرم فيه
(8/615)

الحرام" وقوله: "متناهي" بصيغة الفاعل أي غاية في الزجر لا مزيد عليه. قوله: "وازدجر استطير جنونا" وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد فيكون من كلامهم معطوفا على قولهم مجنون، وقيل هو من خبر الله عن فعلهم أنهم زجروه. قوله: "دسر أضلاع السفينة" وصله الفريابي بلفظه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وروى ابن المنذر وإبراهيم الحربي في "الغريب" من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: الألواح ألواح السفينة، والدسر معاريضها التي تشد بها السفينة. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "ودسر" قال: المسامير. وبهذا جزم أبو عبيدة. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الألواح مقاذيف السفينة والدسر دسرت بمسامير. قوله: "لمن كان كفر يقول كفر له جزاء من الله" وصله الفريابي بلفظ: "لمن كان كفر بالله" وهو يشعر بأنه قرأها كفر بفتحتين على البناء للفاعل، وسيأتي توجيه الأول. قوله: "محتضر يحضرون الماء" وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ: "يحضرون الماء إذا غابت الناقة" قوله: "وقال ابن جبير مهطعين النسلان، الخبب السراع" وصله ابن أبي حاتم من طريق شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله: "مهطعين إلى الداع" قال: هو النسلان. وقد تقدم ضبط النسلان في تفسير الصافات. وقوله: "الخبب" بفتح المعجمة والموحدة بعدها أخرى تفسير النسلان، والسراع تأكيد له. وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله مهطعين قال: ناظرين. وقال أبو عبيدة: المهطع المسرع. قوله: "وقال غيره فتعاطى فعاطى بيده فعقرها" في رواية غير أبي ذر "فعاطها" قال ابن التين: لا أعلم لقوله فعاطها وجها، إلا أن يكون من المقلوب لأن العطو التناول، فكأنه قال: تناولها بيده. قلت: ويؤيده ما روى ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس "فتعاطى فعقر" تناول فعقر. قوله: "المحتظر كحظار من الشجر محترق" وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله، ومن طريق سعيد بن جبير قال: التراب يسقط من الحائط. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: "كهشيم المحتظر" قال: كرماد محترق. وروى الطبري من طريق زيد بن أسلم قال: "كانت العرب تجعل حظارا على الإبل والمواشي من يبس الشوك" فهو المراد من قوله كهشيم المحتظر. وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال: هو التراب المتناثر من الحائط. "تنبيه" : حظار بكسر المهملة وبفتحها والظاء المشالة خفيفة. قوله: "وازدجر افتعل من زجرت" هو قول الفراء، وزاد بعده: صارت تاء الافتعال فيه دالا. قوله: "كفر فعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوح وأصحابه" هو كلام الفراء بلفظه، وزاد: يقول أغرقوا لنوح أي لأجل نوح، وكفر أي أجحد. ومحصل الكلام أن الذي وقع بهم من الغرق كان جزاء لنوح وهو الذي كفر أي جحد، وكذب فجوزي بذلك لصبره عليهم، وقد قرأ حميد الأعرج {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} بفتحتين فاللام في لمن على هذا لقوم نوح. قوله: "مستقر عذاب حق" هو قول الفراء، وعند ابن أبي حاتم بمعناه عن السدي، وعند عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "عذاب مستقر" استقر بهم إلى نار جهنم. ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد قال: "وكل أمر مستقر" قال يوم القيامة. ومن طريق ابن جريج قال: مستقر بأهله. قوله: "ويقال الأشر المرح والتجبر" قال أبو عبيدة في قوله: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ} قال: الأشر المرح والتجبر. وربما كان من النشاط، وهذا على قراءة الجمهور. وقرأ أبو جعفر بفتح المعجمة وتشديد الراء أفعل تفضيل من الشر، وفي الشواذ قراءة أخرى، والمراد بقوله غدا يوم القيامة.
(8/616)