سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
 
{انْكَدَرَتْ} انْتَثَرَتْ وَقَالَ الْحَسَنُ {سُجِّرَتْ} ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلاَ يَبْقَى قَطْرَةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْمَسْجُورُ الْمَمْلُوءُ وَقَالَ غَيْرُهُ {سُجِرَتْ} أَفْضَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا وَ {الْخُنَّسُ} تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ وَتَكْنِسُ تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ تَنَفَّسَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ وَالضَّنِينُ يَضَنُّ بِهِ وَقَالَ عُمَرُ {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ قَرَأَ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} {عَسْعَسَ} أَدْبَرَ.
قوله: "سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم" سقطت البسملة لغير أبي ذر، ويقال لها أيضا سورة التكوير. قوله: {سُجِّرَتْ} يذهب ماؤها فلا يبقى قطرة "تقدم في تفسير سورة الطور، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا. قوله:"وقال مجاهد: المسجور المملوء" تقدم في تفسير سورة الطور أيضا. قوله: "وقال غيره: سجرت أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا" هو معنى قول السدي، أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه بلفظ {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} أي فتحت وسيرت. قوله: "انكدرت انتثرت" قال الفراء
(8/693)

في قوله تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} يريد انتثرت، وقعت في وجه الأرض. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} قال: تناثرت. قوله: "كشطت أي غيرت، وقرأ عبد الله قشطت، مثل الكافور والقافور، والقسط والكسط" ثبت هذا للنسفي وحده وذكره غيره في الطب، وهو قول الفراء، قال في قوله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} يعني نزعت وطويت، وفي قراءة عبد الله - يعني ابن مسعود - قشطت بالقاف، والمعنى واحد، والعرب تقول القافور والكافور والقسط والكسط، إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغة كما يقال حدث وحدت والأتاني والأثاني. قوله: "والخنس تخنس في مجراها ترجع، وتكنس تستتر في بيوتها تكنس الظباء" قال الفراء في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} : وهي النجوم الخمسة تخنس في مجراها ترجع، وتكنس تستتر في بيوتها كما تكنس الظباء في المغاير وهي الكناس، قال: والمراد بالنجوم الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، وأسند هذا الكلام ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي ميسرة عن عمرو بن شرحبيل قال: قال لي ابن مسعود ما الخنس؟ قال قلت: أظنه بقر الوحش. قال: وأنا أظن ذلك. وعن معمر عن الحسن قال: هي النجوم تخنس بالنهار، والكنس تسترهن إذا غبن. قال وقال بعضهم: الكنس الظباء. وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن علي قال: هن الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى. ومن طريق مغيرة قال: سئل مجاهد عن هذه الآية فقال: لا أدري. فقال إبراهيم: لم لا تدري؟ قال: سمعنا أنها بقر الوحش، وهؤلاء يروون عن علي أنها النجوم. قال: إنهم يكذبون على علي. وهذا كما يقولون إن عليا قال: لو أن رجلا وقع من فوق بيت على رجل فمات الأعلى ضمن الأسفل. قوله: "تنفس ارتفع النهار" هو قول الفراء أيضا. قوله: "والظنين المتهم والضنين يضن به" هو قول أبي عبيدة، وأشار إلى القراءتين، فمن قرأها بالظاء المشالة فمعناها ليس بمتهم، ومن قرأها بالساقطة فمعناها البخيل. وروى الفراء عن قيس بن الربيع عن عاصم عن ورقاء قال: أنتم تقرءون بضنين ببخيل، ونحن نقرأ بظنين بمتهم. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال: الظنين المتهم، والضنين البخيل. وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح: كان ابن عباس يقرأ بضنين، قال: والضنين والظنين سواء، يقول ما هو بكاذب، والظنين المتهم والضنين البخيل. قوله: "وقال عمر: النفوس زوجت، يزوج نظيره من أهل الجنة والنار. ثم قرأ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} وصله عبد بن حميد والحاكم وأبو نعيم في "الحلية" وابن مردويه من طريق الثوري وإسرائيل وحماد بن سلمة وشريك كلهم عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير سمعت عمر يقول في قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} : هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة، والرجل يزوج نظيره من أهل النار. ثم قرأ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} وهذا إسناد متصل صحيح، ولفظ الحاكم: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة والنار: الفاجر مع الفاجر والصالح مع الصالح. وقد رواه الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصر به فلم يذكر فيه عمر، جعله من مسند النعمان، أخرجه ابن مردويه، وأخرجه أيضا، من وجه آخر عن الثوري كذلك، والأول هو المحفوظ. وأخرج الفراء من طريق عكرمة قال: يقرن الرجل بقرينه الصالح في الدنيا، ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا بقرينه الذي كان يعينه في النار. قوله: {عَسْعَسَ} أدبر وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا. وقال أبو عبيدة: قال بعضهم {عَسْعَسَ} أقبلت
(8/694)

ظلماؤه. وقال بعضهم: بل معناه ولي، لقوله بعد ذلك {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} . وروى أبو الحسن الأثرم بسند له عن عمر قال: إن شهرنا قد عسعس، أي أدبر. وتمسك من فسره بأقبل بقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} قال الخليل: أقسم بإقبال الليل وإدباره.
" تنبيه " : لم يورد فيها حديثا مرفوعا، وفيها حديث جيد أخرجه أحمد والترمذي والطبراني وصححه الحاكم من حديث ابن عمر رفعه: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ : {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} لفظ أحمد.
(8/695)