سورة {لاَ أُقْسِمُ}
 
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} بِمَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنْ الإِثْمِ {وَوَالِدٍ} آدَمَ {وَمَا وَلَدَ} {لُبَدًا} كَثِيرًا وَ {النَّجْدَيْنِ} الْخَيْرُ وَالشَّرُّ {مَسْغَبَةٍ} مَجَاعَةٍ {مَتْرَبَةٍ} السَّاقِطُ فِي التُّرَابِ يُقَالُ {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فَلَمْ يَقْتَحِمْ الْعَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ فَسَّرَ الْعَقَبَةَ فَقَالَ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} {في كبد} في شدة.
قوله: "سورة {لاَ أُقْسِمُ} ويقال لها أيضا سورة البلد، واتفقوا على أن المراد بالبلد مكة شرفها الله تعالى. قوله: "وقال مجاهد {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} مكة، ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم" وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: يقول لا تؤاخذ بما عملت فيه وليس عليك فيه ما على الناس. وقد أخرجه الحاكم من طريق منصور عن مجاهد فزاد فيه عن ابن عباس بلفظ: أحل الله له أن يصنع فيه ما شاء. ولابن مردويه من
(8/703)

طريق عكرمة عن ابن عباس: يحل لك أن تقاتل فيه. وعلى هذا فالصيغة للوقت الحاضر والمراد الآتي لتحقق وقوعه، لأن السورة مكية والفتح بعد الهجرة بثمان سنين. قوله: "ووالد آدم وما ولد" وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا، وقد أخرجه الحاكم من طريق مجاهد أيضا وزاد فيه: عن ابن عباس. قوله: "في كبد في شدة خلق" ثبت هذا للنسفي وحده، وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق مجاهد بلفظ: حملته أمه كرها ووضعته كرها، ومعيشة في نكد وهو يكابد ذلك. وأخرجه الحاكم من طريق سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله وزاد: في ولادته ونبت أسنانه وسرره وختانه ومعيشته. قوله: {لِبَداً} كثيرا وصله الفريابي بهذا، وهي بتخفيف الموحدة، وشددها أبو جعفر وحده. وقد تقدم تفسيرها في تفسير سورة الجن. والنجدين الخير والشر، وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ سبيل الخير وسبيل الشر، يقول: عرفناه. وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: النجدين سبيل الخير والشر، وصححه الحاكم، وله شاهد عند ابن مردويه من حديث أبي هريرة. وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما هما النجدان، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" . قوله: "مسغبة مجاعة" وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ جوع، ومن وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس قال: ذي مجاعة. وأخرجه ابن أبي حاتم كذلك. ومن طريق قتادة قال: يوم يشتهي فيه الطعام. قوله: "متربة الساقط في التراب" وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ المطروح في التراب ليس له بيت. وروى الحاكم من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: المطروح الذي ليس له بيت. وفي لفظ: المتربة الذي لا يقيه من التراب شيء وهو كذلك لسعيد بن منصور، ولابن عيينة من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: هو الذي ليس بينه وبين الأرض شيء. قوله: "يقال: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فلم يقتحم العقبة في الدنيا. ثم فسر العقبة فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: للنار عقبة دون الجنة، فلا اقتحم العقبة. ثم أخبر عن اقتحامها فقال: فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة. وقال أبو عبيدة في قوله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلخ" بلفظ الأصل، وزاد بعد قوله مسغبة: مجاعة، ذا متربة: قد لزق بالتراب. وأخرج سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال: إن من الموجبات إطعام المؤمن السغبان.
" تنبيه " : قرأ فك وأطعم بالفعل الماضي فيهما ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، وقرأ باقي السبعة فك بضم الكاف والإضافة وإطعام عطفا عليها. قوله: "مؤصدة مطبقة" هو قول أبي عبيدة، وقد تقدم في صفة النار من بدء الخلق، ويأتي في حديث آخر في تفسير الهمزة.
" تنبيه " : لم يذكر في سورة البلد حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث البراء قال: "جاء أعرابي فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة، قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة أو فك الرقبة. قال: أو ليستا بواحدة؟ قال: لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها" أخرجه أحمد وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عنه وصححه ابن حبان.
(8/704)