سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَانِئَكَ عَدُوَّكَ
 
باب 4964- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: "أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفاً فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَر"
4965- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قَالَتْ نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُوم" رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ وَأَبُو الأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
4966- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاه"
[الحديث 4966- طرفه في: 6578]
قوله: "سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} "هي سورة الكوثر. وقد قرأ ابن محيصن إنا أنطيناك الكوثر بالنون، وكذا قرأها طلحة بن مصرف. والكوثر فوعل من الكثرة سمي بها النهر لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره.
(8/731)

قوله: {شَانِئَكَ} عدوك في رواية المستملي: وقال ابن عباس. وقد وصله ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كذلك. واختلف الناقلون في تعيين الشانئ المذكور فقيل هو العاصي بن وائل، وقيل أبو جهل، وقيل عقبة بن أبي معيط. ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث أنس وقد تقدم شرحه في أوائل المبعث في قصة الإسراء في أواخرها، ويأتي بأوضح من ذلك في أواخر كتاب الرقاق. وقوله: "لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر. هكذا اقتصر على بعضه. وساقه البيهقي من طريق إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاري فيه فزاد بعد قوله الكوثر" والذي أعطاك ربك، فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر" وأورده البخاري بهذه الزيادة في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة. الثاني حديث عائشة، وأبو عبيدة رواية عنها هو ابن عبد الله بن مسعود. قوله: "عن عائشة قال سألتها" في رواية النسائي: "قلت لعائشة" . قوله: "عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} " في رواية النسائي: "ماء الكوثر" . قوله: "هو نهر أعطيه نبيكم" زاد النسائي: "في بطنان الجنة. قلت ما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها" انتهى. وبطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون، ووسط بفتح المهملة والمراد به أعلاها أي أرفعها قدرا، أو المراد أعدلها. قوله: "شاطئاه" أي حافتاه. قوله: "در مجوف" أي القباب التي على جوانبه. قوله: "رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق" أما زكريا فهو ابن أبي زائدة، وروايته عند علي ابن المديني عن يحيى بن زكريا عن أبيه، ولفظه قريب من لفظ أبي الأحوص. وأما رواية أبي الأحوص وهو سلام ابن سليم فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ولفظه: "الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه در مجوف؛ وفيه من الأباريق عدد النجوم" وأما رواية مطرف وهو ابن طريف بالطاء المهملة فوصلها النسائي من طريقه، وقد بينت ما فيها من زيادة. حديث ابن عباس من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر" هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال قلت لسعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه" . هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس، وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر أبو إسحاق وقتادة ونحوهما ممن روي ذلك صريحا أن الكوثر هو النهر، وقد أخرج الترمذي من طريق ابن عمر رفعه: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت" الحديث قال: إنه حسن صحيح. وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس "بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة. فقرأ. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" الحديث. وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة، لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير، ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه. وقد نقل المفسرون في الكوثر أقوالا أخرى غير هذين تزيد على العشرة، منها قول عكرمة: الكوثر النبوة، وقول الحسن: الكوثر القرآن، وقيل تفسيره، وقيل الإسلام، وقيل إنه التوحيد، وقيل كثرة الأتباع، وقيل الإيثار، وقيل رفعة الذكر، وقيل نور القلب، وقيل الشفاعة،
(8/732)

وقيل المعجزات؛ وقيل إجابة الدعاء، وقيل الفقه في الدين، وقيل الصلوات الخمس. وسيأتي مزيد بسط في أمر الكوثر وهل الحوض النبوي هو أو غيره في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.
(8/733)