باب اسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ
 
5031- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ"
5032- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ"
[الحديث 5023- طرفه في: 5039]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلَهُ تَابَعَهُ بِشْرٌ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ شَقِيقٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
5033- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا"
قوله:" باب استذكار القرآن" أي طلب ذكره بضم الذال" وتعاهده" أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته. وذكر في الباب ثلاثة أحاديث: الأول. قوله :" إنما مثل صاحب القرآن" أي مع القرآن، والمراد بالصاحب الذي ألفه، قال عياض: المؤالفة المصاحبة، وهو كقوله أصحاب الجنة، وقوله ألفه أي ألف تلاوته، وهو أعم من أن يألفها نظرا من المصحف أو عن ظهر قلب، فإن الذي يداوم على ذلك يذل له لسانه ويسهل عليه قراءته، فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه، وقوله :" إنما" يقتضي الحصر على الراجح، لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك. قوله:" كمثل صاحب الإبل المعقلة" أي مع الإبل المعقلة. والمعقلة بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف أي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير، شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ. وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة. قوله :" إن عاهد عليها أمسكها" أي استمر إمساكه لها. وفي رواية أيوب عن نافع عند مسلم:" فإن عقلها حفظها". قوله :" وإن أطلقها ذهبت" أي انفلتت. وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم :" إن تعاهدها صاحبها فعقلها أمسكها، وإن أطلق عقلها ذهبت" وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع إذا قام
(9/79)

صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه. قوله:" حدثنا محمد بن عرعرة" بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مكررتين، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود، وسيأتي في الرواية المعلقة التصريح بسماع شقيق له من ابن مسعود. قوله:" بئس ما لأحدهم أن يقول" قال القرطبي: بئس هي أخت نعم، فالأولى للذم والأخرى للمدح، وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرا أو مضمرا إلا أنه إذا كان ظاهرا لم يكن في الأمر العام إلا بالألف واللام للجنس أو مضاف إلى ما هما فيه حتى يشتمل على الموصوف بأحدهما، ولا بد من ذكره تعينا كقوله نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو، فإن كان الفاعل مضمرا فلا بد من ذكر اسم نكرة ينصب على التفسير للضمير كقوله نعم رجلا زيد، وقد يكون هذا التفسير" ما" على ما نص عليه سيبويه كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى: {فَنِعِمَّا هِيَ} . وقال الطيبي: و" ما" نكرة موصوفة و" أن يقول:" مخصوص بالذم، أي بئس شيئا كان الرجل يقول. قوله:" نسيت" بفتح النون وتخفيف السين اتفاقا. قوله:" آية كيت وكيت" قال القرطبي: كيت وكيت يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل، ومثلهما ذيت وذيت. وقال ثعلب: كيت للأفعال وذيت للأسماء. وحكى ابن التين عن الداودي أن هذه الكلمة مثل كذا إلا أنها خاصة بالمؤنث، وهذا من مفردات الداودي. قوله:" بل هو نسي" بضم النون وتشديد المهملة المكسورة، قال القرطبي: رواه بعض رواة مسلم مخففا. قلت: وكذا هو في مسند أبي يعلى، وكذا أخرجه ابن أبي داود في" كتاب الشريعة" من طرق متعددة مضبوطة بخط موثوق به على سين علامة التخفيف وقال عياض: كان الكناني - يعني أبا الوليد الوقشي - لا يجيز في هذا غير التخفيف. قلت: والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري، وكذا في أكثر الروايات في غيره، ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في" الغريب" بعد قوله كيت وكيت: ليس هو نسي ولكنه نسي. الأول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتثقيل السين، قال القرطبي: التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره، قال: ومعنى التخفيف أن الرجل ترك غير ملتفت إليه، وهو كقوله تعالى :{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة. واختلف في متعلق الذم من قوله:" بئس" على أوجه: الأول قيل هو على نسبة الإنسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله، فكان ينبغي أن يقول آنسيت أو نسيت بالتثقيل على البناء للمجهول فيهما، أي أن الله هو الذي أنساني كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وقال: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}؟ وبهذا الوجه جزم ابن بطال فقال: أراد أن يجري على ألسن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها لما في ذلك من الإقرار له بالعبودية والاستسلام لقدرته، وذلك أولى من نسبة الأفعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها إلى مكتسبنها جائز بدليل الكتاب والسنة. ثم ذكر الحديث الآتي في" باب نسيان القرآن" قال: وقد أضاف موسى عليه السلام النسيان مرة إلى نفسه ومرة إلى الشيطان فقال : {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} ولكل إضافة منها معنى صحيح، فالإضافة إلى الله بمعنى أنه خالق الأفعال كلها، وإلى النفس لأن الإنسان هو المكتسب لها، وإلى الشيطان بمعنى الوسوسة ا هـ. ووقع له ذهول فيما نسبه لموسى، وإنما هو كلام فتاه. وقال القرطبي: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان إلى نفسه يعني كما سيأتي في" باب نسيان القرآن" وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال: {نسِيتُ الْحُوتَ} وموسى إلى نفسه حيث قال:
(9/80)

{لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} وقد سبق قول الصحابة {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} مساق المدح، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فالذي يظهر أن ذلك ليس متعلق الذم وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالأول لكن سبب الذم ما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان. الوجه الثالث، قال الإسماعيلي: يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت لا بمعنى السهو العارض، كما قال تعالى :{نسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} وهذا اختيار أبي عبيد وطائفة. الوجه الرابع، قال الإسماعيلي أيضا: يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال: لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا، فإن الله هو الذي نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته، وليس لي في ذلك صنع بل الله هو الذي ينسيني لما تنسخ تلاوته؛ وهو كقوله تعالى :{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فإن المراد بالمنسي ما ينسخ تلاوته فينسى الله نبيه ما يريد نسخ تلاوته. الوجه الخامس، قال الخطابي: يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته، فيقول القائل نسيت آية كذا فنهوا عن ذلك لئلا يتوهم على محكم القرآن الضياع، وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك إنما هو بإذن الله لما رآه من الحكمة والمصلحة. الوجه السادس، قال الإسماعيلي: وفيه وجه آخر وهو أن النسيان الذي هو خلاف الذكر إضافته إلى صاحبه مجاز لأنه عارض له لا عن قصد منه، لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرا له في حال قصده، فهو كما قال ما مات فلان ولكن أميت. قلت: وهو قريب من الوجه الأول. وأرجح الأوجه الوجه الثاني، ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن عليه. وقال عياض: أول ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول، أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه. وقال النووي: الكراهة فيه للتنزيه. قوله :" واستذكروا القرآن" أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به، قال الطيبي: وهو عطف من حيث المعنى على قوله:" بئس ما لأحدكم" أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه، وزاد ابن أبي داود من طريق عاصم عن أبي وائل في هذا الموضع" فإن هذا القرآن وحشي". وكذا أخرجها من طريق المسيب بن رافع عن ابن مسعود. قوله:" فإنه أشد تفصيا" بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا، تقول تفصيت كذا أي أحطت بتفاصيله. والاسم الفصة، ووقع في حديث عقبة بن عامر بلفظ:" تفلتا" وكذا وقعت عند مسلم في حديث أبي موسى ثالث أحاديث الباب، ونصب على التمييز. وفي هذا الحديث زيادة على حديث ابن عمر، لأن في حديث ابن عمر تشبيه أحد الأمرين بالآخر وفي هذا أن هذا أبلغ في النفور من الإبل، ولذا أفصح به في الحديث الثالث حيث قال :" لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها" لأن من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك. وقال ابن بطال: هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى :{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} وقوله تعالى :{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}، فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له، ومن أعرض عنه تفلت منه. قوله:" حدثنا عثمان" هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو المذكور في الإسناد الذي قبله. وهذه الطريق عند الكشميهني وحده،
(9/81)

وثبتت أيضا في رواية النسفي، وقوله:" مثله" الضمير للحديث الذي قبله، وهو يشعر بأن سياق جرير مساو لسياق شعبة. وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة مقرونا بإسحاق بن راهويه وزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير ولفظه مساو للفظ شعبة المذكور إلا أنه قال :" استذكروا" بغير واو. وقال:" فلو أشد" بدل قوله :" فإنه" وزاد بعد قوله من النعم " بعقلها" وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة بإثبات الواو وقال في آخره :" من عقله" وهذه الزيادة ثابتة عنده في حديث شعبة أيضا من رواية غندر عنه بلفظ:" بئسما لأحدكم - أو لأحدهم - أن يقول: إني نسيت آية كيت وكيت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو نسي، ويقول استذكروا القرآن إلخ" وكذا ثبتت عنده في رواية الأعمش عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود. قوله:" تابعه بشر عن ابن المبارك عن شعبة" يريد أن عبد الله بن المبارك تابع محمد بن عرعرة في رواية هذا الحديث عن شعبة وبشر هو ابن محمد المروزي شيخ البخاري، قد أخرج عنه في بدء الوحي وغيره، ونسبة المتابعة إليه مجازية، وقد يوهم أنه تفرد بذلك عن ابن المبارك وليس كذلك. فإن الإسماعيلي أخرج الحديث من طريق حبان بن موسى عن ابن المبارك، ويوهم أيضا أن ابن عرعرة وابن المبارك انفردا بذلك عن شعبة وليس كذلك لما ذكر فيه من رواية غندر وقد أخرجها أحمد أيضا عنه، وأخرجه عن حجاج بن محمد وأبي داود الطيالسي كلاهما عن شعبة، وكذا أخرجه الترمذي من رواية الطيالسي. قوله:" وتابعه ابن جريج عن عبدة عن شقيق سمعت عبد الله" أما عبدة فهو بسكون الموحدة وهو ابن أبي لبابة بضم اللام وموحدتين مخففا، وشقيق هو أبو وائل، وعبد الله هو ابن مسعود، وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال:" حدثني عبدة بن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة سمعت عبد الله بن مسعود" فذكر الحديث إلى قوله :" بل هو نسي" ولم يذكر ما بعده. وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق، وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن جحادة عن عبدة، وكأن البخاري أراد بإيراد هذه المتابعة دفع تعليل من أعل الخبر برواية حماد بن زيد وأبي الأحوص له عن منصور موقوفة على ابن مسعود، قال الإسماعيلي: روى حماد بن زيد عن منصور وعاصم الحديثين معا موقوفين، وكذا رواهما أبو الأحوص عن منصور. وأما ابن عيينة فأسند الأول ووقف الثاني، قال ورفعهما جميعا إبراهيم بن طهمان وعبيدة بن حميد عن منصور، وهو ظاهر سياق سفيان الثوري. قلت: ورواية عبيدة أخرجها ابن أبي داود. ورواية سفيان ستأتي عند المصنف قريبا مرفوعا لكن اقتصر على الحديث الأول. وأخرج ابن أبي داود من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا الحديثين معا. وفي رواية عبدة بن أبي لبابة تصريح ابن مسعود بقوله:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وذلك يقوي رواية من رفعه عن منصور والله أعلم. قوله:" عن بريد" بالموحدة هو ابن عبد الله بن أبي بردة، وشيخه أبو بردة هو جده المذكور، وأبو موسى هو الأشعري. قوله :" في عقلها" بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله وهو الحبل، ووقع في رواية الكشميهني :" من عقلها" وذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ" من عللها" بلامين؛ ولم أقف على هذه الرواية، بل هي تصحيف. ووقع في رواية الإسماعيلي :" بعقلها" قال القرطبي: من رواه " من عقلها" فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت، وأما من رواه بالباء أو بالفاء فيحتمل أن يكون بمعنى" من" أو للمصاحبة أو الظرفية، والحاصل تشبيه من يتفلت منه القرآن بالناقة التي تفلتت من عقالها وبقيت متعلقة به، كذا قال، والتحرير أن التشبيه وقع بين
(9/82)

ثلاثة بثلاثة: فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة، والقرآن بالناقة، والحفظ بالربط. قال الطيبي: ليس بين القرآن والناقة مناسبة لأنه قديم وهي حادثة، لكن وقع التشبيه في المعنى. وفي هذه الأحاديث الحض على محافظة القرآن بدوام دراسته وتكرار تلاوته، وضرب الأمثال لإيضاح المقاصد، وفي الأخير القسم عند الخبر المقطوع بصدقه مبالغة في تثبيته في صدور سامعيه وحكى ابن التين عن الداودي أن في حديث ابن مسعود حجة لمن قال فيمن ادعى عليه بمال فأنكر وحلف ثم قامت عليه البينة فقال: كنت نسيت، أو ادعى بينة أو إبراء، أو التمس يمين المدعي أن ذلك يكون له ويعذر في ذلك، كذا قال.
(9/83)