بَاب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟
 
وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ
(9/124)

5082- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ"
قوله: "باب إلى من ينكح، وأي النساء خير؟ وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب" اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام، وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح، وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لأن نساءهن خير النساء وهو الحكم الثاني، وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم لأن من ثبت أنهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للأولاد، وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء" وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر. قوله: "خير نساء ركبن الإبل" تقدم في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم عليها السلام قول أبي هريرة في آخره: "ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط" فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل لأنها لم تركب بعيرا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، ولا يشك أن لمريم فضلا وأنها أفضل من جميع نساء قريش إن ثبت أنها نبية أو من أكثرهن إن لم تكن نبية، وقد تقدم بيان ذلك في المناقب في حديث: "خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة" وأن معناها أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله: "ركبن الإبل" لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد منها، فإن قوله: "ركبن الإبل" إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا، ويمكن أن يقال أيضا: إن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن. قوله: "صالح نساء قريش" كذا للأكثر بالإفراد. وفي رواية غير الكشميهني: "صلح" بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع، وسيأتي في أواخر النفقات من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: "نساء قريش" والمطلق محمول على المقيد. فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش لا على العموم، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين، وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك. قوله: "أحناه" بسكون المهملة بعدها نون: أكثره شفقة، والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية قاله الهروي؛ وجاء الضمير مذكرا وكان القياس أحناهن، وكأنه ذكر باعتبار اللفظ والجنس أو الشخص أو الإنسان، وجاء نحو ذلك في حديث أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا، بالإفراد في الثاني وحديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالإفراد في الثاني أيضا، قال أبو حاتم السجستاني: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا. قوله: "على ولده" في رواية الكشميهني: "على ولد" بلا ضمير وهو أوجه، ووقع في رواية لمسلم: "على يتيم" وفي أخرى "على طفل" والتقييد باليتم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض أفراد العموم، لأن صفة الحنو على الولد ثابتة لها، لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك قوله: "وأرعاه على زوج" أي أحفظ وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق. قوله: "في
(9/125)

ذات يده" أي في ماله المضاف إليه، ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد أي قليل المال، وفي الحديث الحث على النكاح الأشراف خصوصا القرشيات، ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب. ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، وأن غير القرشيات ليس كفأ لهن، وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه. ويؤخذ منه مشروعية إنفاق الزوج على زوجته، وسيأتي في أواخر النفقات بيان سبب هذا الحديث.
(9/126)

باب اتخاذ السراري ومن أعتق جارية ثم تزوجها
...