بَاب مَا يَحِلُّ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} وَقَالَ أَنَسٌ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ الْحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَقَالَ {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ
 
5105- وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي حَبِيبٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَرُمَ مِنْ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعٌ ثُمَّ قَرَأَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لاَ بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لاَ بَأْسَ بِهِ وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلاَ يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
(9/153)

حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لاَ تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ بِالأَرْضِ يَعْنِي يُجَامِعَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عَلِيٌّ لاَ تَحْرُمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ
قوله: "باب ما يحل من النساء وما يحرم، وقوله تعالى :{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الآية إلى {عَلِيماً حَكِيماً} كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة إلى قوله: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} ثم قال إلى قوله: {عَلِيماً حَكِيماً} وذلك يشمل الآيتين، فإن الأول إلى قوله: {غَفُوراً رَحِيماً}. قوله: "وقال أنس {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذوات الأزواج الحرائر حرام {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته" وفي رواية الكشميهني جارية "من عبده" وصله إسماعيل القاضي في كتاب "أحكام القرآن" بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى :{وَالْمُحْصَنَاتُ} ذوات الأزواج الحرائر {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فإذا هو لا يرى بما ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبده فيطأها، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول بيعها طلاقها، والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعني أنهن حرام وأن المراد بالاستثناء في قوله : {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن. قوله: "وقال" أي قال الله عز وجل: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} أشار بهذا إلى التنبيه على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول ابن العباس الذي بعده لا مفهوم له وإنما أراد حصر ما في الآيتين. قوله: "وقال ابن عباس: ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته" وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى :{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة، فما زاد منهن عليه حرام، والباقي مثله، وأخرجه البيهقي. قوله: "وقال لنا أحمد بن حنبل" هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة، والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات، وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه، والذي هنا من الشق الأول، وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع. وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم يكثر عنه لأنه في رحلته القديمة لقي كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم، وفي رحلته الأخيرة كان أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث إلا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد، وسفيان المذكور هذا الإسناد هو الثوري، وحبيب هو ابن أبي ثابت. قوله: "حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع" في رواية ابن مهدي عن سفيان عن الإسماعيلي: "حرم عليكم" وفي لفظ: "حرمت عليكم". قوله: "ثم قرأ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية" في رواية يزيد بن هارون عن سفيان عند الإسماعيلي: "قرأ الآيتين" وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة "إلى {عَلِيماً حَكِيماً}" فإنها آخر الآيتين، ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في آخر الحديث: "ثم قرأ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} حتى بلغ: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} ، ثم قال: هذا النسب. ثم قرأ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} حتى بلغ : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} ، وقرأ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} فقال: هذا الصهر" انتهى، فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة امرأة، وفي تسمية ما هو بالرضاع صهرا تجوز، وكذلك امرأة الغير، وجميعهن على التأبيد إلا الجمع بين الأختين وامرأة الغير، ويلتحق بمن ذكر
(9/154)

موطوءة الجد وإن علا وأم الأم ولو علت وكذا أم الأب وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الأخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الأخ وبنت ابن الأخ والأخت وعمة الأب ولو علت وكذا عمة الأم وخالة الأم ولو علت وكذا خالة الأب وجدة الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة ابن الابن وابن البنت والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وسيأتي في باب مفرد "ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وتقدم في باب مفرد، وبيان ما قيل إنه يستثنى من ذلك قوله: "وجمع عبد الله بن جعفر" أي ابن أبي طالب "بين بنت علي وامرأة علي" كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة في منع الجمع بين الأختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها، والأثر المذكور وصله البغوي في "الجعديات" من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال: "جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود" وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر فقال: "ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت علي لفاطمة فكانتا امرأتيه" وقوله لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته، وقد وقع ذلك مبينا عند ابن سعد. قوله: "وقال ابن سيرين لا بأس به" وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد "أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته - أي من غيرها - قال أيوب: فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال: نبئت أن رجل كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها" وأخرج الدار قطني من طريق أيوب أيضا عن ابن سيرين أن "رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة" فذكره قوله: "وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به" وصله الدار قطني في آخر الأثر الذي قبله بلفظ: "وكان الحسن يكرهه" وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال: "إني لجالس عند الحسن إذ سأله رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه، فقال له بعضهم: يا أبا سعيد، هل ترى به بأسا؟ فنظر ساعة ثم قال: ما أرى به بأسا" وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه، وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به. قوله: "وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة" وصله عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو ابن دينار بهذا وزاد: "في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي، فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما" وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد: "فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن". قوله: "وكرهه جابر بن زيد للقطيعة" وصله أبو عبيد من طريقه. وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام. قوله: "وليس فيه تحريم" لقوله تعالى :{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} هذا من تفقه المصنف، وقد صرح به قتادة قبله كما ترى، وقد قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح، قال: وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه، وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله: "للقطيعة" أي لأجل وقوع القطيعة بينهما، لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة، وسيأتي التصريح بهذه العلة في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات، فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة" وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان
(9/155)

أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن، وقد نقل العمل بذلك عن ابن أبي ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الإجماع على خلافه وقاله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما. قوله: "وقال عكرمة عن ابن عباس: إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته" هذا مصير من ابن عباس إلى أن المراد بالنهي عن الجمع بين الأختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء "عن ابن عباس في رجل زنى بأخت امرأته قال: تخطى حرمة إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته" قال ابن جريج وبلغني عن عكرمة مثله، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال: "جاوز حرمتين إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته" وهذا قول الجمهور، وخالفت فيه طائفة كما سيجيء. قوله: "ويروى عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي أن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه" في رواية أبي ذر عن المستملي: "وابن جعفر" يدل قوله وأبي جعفر، والأول هو المعتمد، وكذا وقع في رواية ابن نصر بن مهدي عن المستملي كالجماعة، وهكذا وصله وكيع في مصنفه عن سفيان الثوري عن يحيى. قوله: "ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه" انتهى وهو ابن قيس، روى أيضا عن شريح روى عنه الثوري وأبو عوانة وشريك. فقول المصنف "غير معروف" أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء، وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح، والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان الثوري والأوزاعي وبه قال أحمد وزاد: وكذا لو تلوط بأبي امرأته أو بأخيها أو بشخص ثم ولد للشخص بنت فإن كلا منهن تحرم على الواطئ لكونها بنت أو أخت من نكحه، وخالف ذلك الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها، وهو ظاهر القرآن لقوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} والذكر ليس من النساء ولا أختا، وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هل تحرم عليه بنتها أم لا؟ وجهان. والله أعلم. قوله: "وقال عكرمة عن ابن عباس: إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته" وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشى أم امرأته قال: "تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته" وإسناده صحيح. وفي الباب حديث مرفوع أخرجه الدار قطني والطبراني من حديث عائشة "إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها، قال : لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال" وفي إسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك، وقد أخرج ابن ماجه طرفا منه من حديث ابن عمر لا يحرم الحرام الحلال، وإسناده أصلح من الأول. قوله: "ويذكر عن أبي نصر عن ابن عباس أنه حرمه" وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه أن رجلا قال أنه أصاب أم امرأته، فقال له ابن عباس: حرمت عليك امرأتك، وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهم بلغ مبالغ الرجال". قوله: "وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس" كذا للأكثر. وفي رواية ابن المهدي عن المستملي لا يعرف سماعه وهي أوجه وأبو نصر هذا بصري أسدي، وثقه أبو زرعة. وفي الباب حديث ضعيف أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا: "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها" وإسناده مجهول قاله البيهقي. قوله: "ويروى عن عمران بن حصين والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه" أما قول عمران فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه، قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا، ولا بأس بإسناده، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع، وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة
(9/156)

عنهما قال: حرمت عليه امرأته. قال قتادة: لا تحرم غير أنه لا يغشى امرأته حتى تنقضي عدة التي زنى بها. وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ: إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال يحيى بن يعمر للشعبي: والله ما حرم حرام قط حلالا قط، فقال الشعبي: بلى لو صببت خمرا على ماء حرم شرب ذلك الماء. قال قتادة: وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي. وأما قوله: "وقال بعض أهل العراق" فلعله عنى به الثوري، فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق. وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها. ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال: حرمتا عليه كلتاهما، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وبه قال من غير أهل العراق عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وهي رواية عن مالك، وأبى ذلك الجمهور وحجتهم أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء، وأيضا فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، قال ابن عبد البر: وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها، فنكاح أمها وابنتها أجوز. قوله: "وقال أبو هريرة: لا تحرم عليه حتى يلزق بالأرض، يعني حتى يجامع" قال ابن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو أوجه، وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا وألزقه بغيره، وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فأنهم قالوا: تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها، فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة أنها لا تحرم إلا إن وقع الجماع، فيكون في المسألة ثلاثة آراء: فمذهب الجمهور لا تحرم إلا بالجماع مع العقد، والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة بشهوة بالجماع لكونه استمتاعا ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا، والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته. قوله: "وجوزه سعيد بن المسيب وعروة والزهري" أي أجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها سواء فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك أجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك، وقد روى عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له أمها؟ فقالا: لا يحرم الحرام الحلال، وعن معمر عن الزهري مثله، وعند البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ فقال: قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام. قوله: "وقال الزهري قال علي: لا يحرم وهذا مرسل" أما قول الزهري فوصله البيهقي من طريق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته، فقال: قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال. وأما قوله: وهذا مرسل، ففي رواية الكشميهني وهو مرسل أي منقطع، فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن والخطب فيه سهل، والله أعلم
(9/157)



الموضوع التالي


بَاب {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَنْ قَالَ بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ وَكَذَلِكَ حَلاَئِلُ وَلَدِ الأَبْنَاءِ هُنَّ حَلاَئِلُ الأَبْنَاءِ وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ