بَاب النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ
 
5125- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقَالَ لِي هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَقُلْتُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ"
5126- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ
(9/180)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا قَالَ انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا قَالَ أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ"
قوله: "باب النظر إلى المرأة قبل التزويج" استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب، لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه، وقد ورد ذلك في أحاديث أصحها حديث أبي هريرة "قال رجل إنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا" أخرجه مسلم والنسائي. وفي لفظ له صحيح "أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة" فذكره قال الغزالي في "الإحياء" : اختلف في المراد بقوله شيئا فقيل عمش وقيل صغر. قلت: الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وهذا الرجل يحتمل أن يكون المغيرة، فقد أخرج الترمذي والنسائي من حديثه أنه "خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: انظر إليها، فإنه أحرى أن يدوم بينكما" وصححه ابن حبان. وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعا: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" وسنده حسن، وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة، وصححه ابن حبان والحاكم، وأخرجه أحمد وابن ماجه. ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار. ثم ذكر المصنف فيه حديثين. حديث عائشة.قوله: "أريتك" بضم الهمزة "في المنام" زاد في رواية أبي أسامة في أوائل النكاح "مرتين". قوله: "يجيء بك الملك" وقع في رواية أبي أسامة "إذا رجل يحملك" فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلا. ووقع في رواية ابن حبان من طريق أخرى عن عائشة "جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "في سرقة من حرير" السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة، ووقع في رواية ابن حبان: "في خرقة حرير" وقال الداودي: السرقة الثوب، فإن أراد تفسيره هنا فصحيح، وإلا فالسرقة أعم. وأغرب المهلب فقال: السرقة كالكلة أو كالبرقع. وعند الآجري من وجه آخر عن عائشة "لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني" ويجمع بين هذا وبين ما قبله بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر "نزل مرتين" قوله: "فكشفت عن وجهك الثوب" في رواية أبي أسامة "فأكشفها" فعبر بلفظ المضارع استحضارا لصورة
(9/181)

الحال. قال ابن المنير: يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه، ويكون الضمير في "أكشفها" للسرقة أي أكشفها عن الوجه، وكأنه حمله على ذلك أن رؤيا الأنبياء وحي، وأن عصمتهم في المنام كاليقظة، وسيأتي في اللباس في الكلام على تحريم التصوير ما يتعلق بشيء من هذا: وقال أيضا: في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر، لأن عائشة كانت إذ ذاك في سن الطفولية فلا عورة فيها البتة، ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة ترجع إلى العقد. قوله: "فإذا أنت هي" في رواية الكشميهني: "فإذا هي أنت" وكذا تقدم من رواية أبي أسامة. قوله: "يمضه" بضم أوله، قال عياض: يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا إشكال فيه، وإن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات: أحدها التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط، ثانيها أنه لفظ شك لا يراد به ظاهره وهو أبلغ في التحقق، ويسمى في البلاغة مزج الشك باليقين، ثالثها وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها أو هي رؤيا وحي لها تعبير؟ وكلا الأمرين جائز في حق الأنبياء. قلت: الأخير هو المعتمد، وبه جزم السهيلي عن ابن العربي، ثم قال: وتفسيره باحتمال غيرها لا أرضاه، والأول يرده أن السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت فإن ظاهر قوله: "فإذا هي أنت" مشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك، والواقع أنها ولدت بعد البعثة. ويرد أول الاحتمالات الثلاث رواية ابن حبان في آخر حديث الباب: "هي زوجتك في الدنيا والآخرة" والثاني بعيد، والله أعلم. حديث سهل في قصة الواهبة، والشاهد منه للترجمة قوله فيه: "فصعد النظر إليها وصوبه" وسيأتي شرحه في "باب التزويج على القرآن وبغير صداق". قوله: "ثم طأطأ رأسه" وذكر الحديث كله، كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي، وساق الباقون الحديث بطوله، قال الجمهور: لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة. قالوا: ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها. وقال الأوزاعي: يجتهد وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة. وقال ابن حزم. ينظر إلى ما أقبل وما أدبر منها. وعن أحمد ثلاث روايات: الأولى كالجمهور، والثانية ينظر إلى ما يظهر غالبا، والثالثة ينظر إليها متجردة وقال الجمهور أيضا: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها. وعن مالك رواية يشترط إذنها. ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال لأنها حينئذ أجنبية، ورد عليهم بالأحاديث المذكورة
(9/182)