بَاب ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ
 
5147- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ"
قوله: "باب ضرب الدف في النكاح والوليمة" يجوز في الدف ضم الدال وفتحها، وقوله: "والوليمة" معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص، ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك، والأول أشبه، وكأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرقه على ما سأبينه. قوله: "حدثنا خالد بن ذكوان" هو المدني يكنى أبا الحسن، وهو من صغار التابعين قوله: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على" في رواية الكشميهني: "فدخل على" ووقع عند ابن ماجه في أوله قصة من طريق
(9/202)

حماد بن سلمة عن أبي، الحسين واسمه خالد المدني قال: "كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا على الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها، فقالت: دخل على" الحديث، هكذا أخرجه من طريق يزيد بن هارون عنه، وأخرجه الطبراني من طريق عن حماد بن سلمة فقال: "عن أبي جعفر الخطمي" بدل أبي الحسين. قوله: "حين بنى على" في رواية حماد بن سلمة صبيحة عرسي، والبناء الدخول بالزوجة، وبين ابن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي وأنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة. قوله: "كمجلسك" بكسر اللام أي مكانك. قال الكرماني: هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة أو عند الأمن من الفتنة ا هـ. والأخير هو المعتمد، والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية، وجوز الكرماني أن تكون الرواية: "مجلسك" بفتح اللام أي جلوسك ولا إشكال فيها. قوله: "فجعلت جويريات لنا" لم أقف على اسمهن، ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ جاريتان تغنيان، فيحتمل أن كون الثنتان هما المغنيتان ومعهما من يتبعهما أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء، وسيأتي في "باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها" زيادة في هذا. قوله: "ويندبن" من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها. قوله: "من قتل من آبائي يوم بدر" تقدم بيان ذلك في المغازي وإن الذي قتل من آبائها إنما قتل بأحد، وآباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف وأحدهم أبوها والآخران عماها أطلقت الأبوة عليهما تغليبا. قوله: "فقال دعي هذه" أي اتركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الإطراء المنهي عنه، زاد في رواية حماد بن سلمة "لا يعلم ما في غد إلا الله" فأشار إلى علة المنع. قوله: "وقولي بالذي كنت تقولين" فيه إشارة إلى جواز سماع المدح والمرثية مما ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو. وأخرج الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن من حديث عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين:
وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد
وزوجك في البادي وتعلم ما في غد
فقال: لا يعلم ما في غد إلا الله" قال المهلب: في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح، وفيه إقبال الإمام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح. وفيه جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه. وأغرب ابن التين فقال: إنما نهاها لأن مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو فما أدخلت الجد في اللهو منعها، كذا قال، وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه، وسياق القصة يشعر بأنهما لو استمرتا على المرائي لم ينههما، وغالب حسن المرائي جد لا لهو، وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإطراء حيث أطلق علم الغيب له وهو صفة تختص بالله تعالى قال تعالى :{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} وقوله لنبيه {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إياه لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى :{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وسيأتي مزيد بحث مسألة الغناء في العرس بعد اثنى عشر بابا
(9/203)