بَاب إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ
 
5179- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ"
قوله: "باب إجابة الداعي في العرس وغيره" ذكر فيه حديث ابن عمر "أجيبوا هذه الدعوة" وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد، والمراد وليمة العرس، ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك، ويحتمل أن تكون اللام للعموم وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره. قوله: "حدثنا علي بن عبد الله بن إبراهيم" هو البغدادي، أخرج عنه البخاري هنا فقط، وقد تقدم في فضائل القرآن روايته عن علي بن إبراهيم عن روح بن عبادة فقيل: هو هذا نسبه إلى جده، وقيل غيره كما تقدم بيانه، وذكر أبو عمرو والمستملي أن البخاري لما حدث عن علي بن عبد الله بن إبراهيم هذا سئل عنه فقال: متقن. قوله: "عن نافع" في رواية فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة "حدثني نافع" أخرجه الإسماعيلي. قوله: "قال كان عبد الله" القائل هو نافع وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن عبد الله ابن عمر العمري عن نافع بلفظ: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة
(9/246)

عرس فليجب" وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق أيوب عن نافع بلفظ: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه" ولمسلم من طريق الزبيدي عن نافع بلفظ: "من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب" وهذا يؤيد ما فهمه ابن عمر وأن الأمر بالإجابة لا يختص بطعام العرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه؛ ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين، ويعكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها، لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا، وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه دعا بالطعام فقال رجل من القوم: اعفني، فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا، فقم. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أن ابن صفوان دعاه فقال: إني مشغول، وإن لم تعفني جئته. وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية؛ وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعي: إتيان دعوة الوليمة حق، والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبين أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس. قوله: "في العرس وغير العرس وهو صائم" في رواية مسلم عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد "ويأتيها وهو صائم" ولأبي عوانة من وجه آخر عن نافع "وكان ابن عمر يجيب صائما ومفطرا" ووقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع "فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليدع" ولمسلم من حديث أبي هريرة "فإن كان صائما فليصل" ووقع في رواية هشام بن حسان في آخره: "والصلاة الدعاء" وهو من تفسير هشام راويه، ويؤيده الرواية الأخرى، وحمله بعض الشراح على ظاهره فقال: إن كان صائما فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها، ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها. وفيه نظر لعموم قوله: "لا صلاة بحضرة طعام" لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم، وقد تقدم في "باب حق إجابة الوليمة" أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا، وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع: كان ابن عمر إذ ادعى أجاب، فإن كان مفطرا أكل، إن كان صائما دعا لهم وبرك ثم انصرف. وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر، وفي الإخلال بالإجابة تفويت ذلك، ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش، وعرف من قوله: "فليدع لهم" حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الأكل، وهل يستحب له أن يفطر إن كان صومه تطوعا؟ قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة: إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم، وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر، وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل، وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض، ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف ولا سيما إن كان وقت الإفطار قد قرب. ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصوم ليس عذرا في ترك الإجابة ولا سيما مع ورود الأمر للصائم بالحضور والدعاء، نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر. ووقع في حديث جابر عند مسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك" فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر لا يجب عليه الأكل، وهو أصح الوجهين
(9/247)

عند الشافعية. وقال ابن الحاجب في مختصره: ووجوب أكل المفطر محتمل، وصرح الحنابلة بعدم الوجوب، واختار النووي الوجوب، وبه قال أهل الظاهر، والحجة لهم قوله في إحدى روايات ابن عمر عند مسلم: "فإن كان مفطرا فليطعم" قال النووي: وتحمل رواية جابر على من كان صائما، ويؤيده رواية ابن ماجه فيه بلفظ: "من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك" ويتعين حمله على من كان صائما نفلا، ويكون فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك، ويؤيده ما أخرجه الطيالسي والطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد قال: "دعا رجل إلى طعام، فقال رجل: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخاكم وتكلف لكم، أفطر وصم يوما مكانه إن شئت" في إسناده واو ضعيف لكنه توبع، والله أعلم.
(9/248)