بَاب مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا
 
5191- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ فَقُلْتُ قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي لاَ تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ عُمَرُ وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ أَثَمَّ هُوَ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هُوَ أَجَاءَ غَسَّانُ قَالَ لاَ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ
(9/278)

فِيهَا وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لاَ أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ الْغُلاَمُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلاَمَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا قَالَ إِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي فَقَالَ قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ لاَ فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عَائِشَةَ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمَةً أُخْرَى فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ"
قوله: "باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها" أي لأجل زوجها. قوله: "عن ابن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر" في رواية عبيد بن حنين الماضية في تفسير التحريم عن ابن عباس "مكثت سنة أريد أن أسأل عمر". قوله:" عن
(9/279)

المرأتين" في رواية عبيد "عن آية". قوله: "اللتين" كذا في جميع النسخ، ووقع عند ابن التين "التي" بالإفراد وخطأها فقال: الصواب "اللتين" بالتثنية. قلت: ولو كانت محفوظة لأمكن توجيهها. قوله: "حتى حج وحججت معه" في رواية عبيد "فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا" وفي رواية يزيد بن رومان عند ابن مردويه عن ابن عباس "أردت أن أسأل عمر فكنت أهابه، حتى حججنا معه، فلما قضينا حجنا قال: مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما حاجتك" ؟ قوله: "وعدل" أي عن الطريق الجادة المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبا ليقضي حاجته، ووقع في رواية عبيد "فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له" وبين مسلم في رواية عبيد بن حنين من طريق حماد بن سلمة وابن عيينة أن المكان المذكور هو مر الظهران، وقد تقدم ضبطه في المغازي. قوله: "وعدلت معه بإداوة فتبرز" أي قضى حاجته، وتقدم ضبط الإداوة وتفسيرها في كتاب الطهارة، وأصل تبرز من البراز وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت، ثم أطلق على نفس الفعل. وفي رواية حماد بن سلمة المذكورة عند الطيالسي "فدخل عمر الأراك فقضى حاجته، وقعدت له حتى خرج" فيؤخذ منه أن المسافر إذا يجد الفضاء لقضاء حاجته استتر بما يمكنه الستر به من شجر البادية. قوله: "فسكبت على يديه منها فتوضأ" في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم "فسكبت من الإداوة". قوله:" فقلت له: يا أمير المؤمنين من المرأتان "في رواية الطيالسي" فقلت يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن حديث منذ سنة فتمنعني هيبتك أن أسألك "وتقدم في التفسير من رواية عبيد بن حنين" فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ قال: تلك حفصة وعائشة. فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به "وفي رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال: "ما تسأل عنه أحدا أعلم بذلك مني". قوله: "اللتان" كذا في الأصول، وحكى ابن التين أنه وقع عنده "التي" بالإفراد، قال والصواب "اللتان" بالتثنية. وقوله قال الله تعالى :{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}" أي قال الله تعالى لهما إن تتوبا من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قوله بعد {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}" أي تتعاونا كما تقدم تفسيره في تفسير السورة، ومعنى تظاهرهما أنهما تعاونتا حتى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ما حرم كما سيأتي بيانه، وقوله: {قُلُوبُكُمَا}" كثر استعمالهم في موضع التثنية بلفظ الجمع كقولهم وضعا رحالهما أي رحلي راحلتيهما. قوله: "واعجبا لك يا ابن عباس" تقدم شرحه في العلم وأن عمر تعجب من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقدمه في العلم على غيره كما تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة النصر، ومع ما كان ابن عباس مشهورا به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه، أو تعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم، ووقع في "الكشاف" كأنه كره ما سأله عنه. قلت: وقد جزم بذلك الزهري في هذه القصة بعينها فيما أخرجه مسلم من طريق معمر عنه قال بعد قوله: "قال عمر واعجبا لك يا ابن عباس" : قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه ولا يستبعد القرطبي ما فهمه الزهري، ولا بعد فيه. قلت: ويجوز في "عجبا" التنوين وعدمه، قال ابن مالك: "وا" في قوله: "وا عجبا" إن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب، ومثله واها ووي، وقوله بعده عجبا جيء بها تعجبا توكيدا، وإن كان بغير تنوين فالأصل فيه وا عجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت
(9/280)

قصة أخرى، فأخرج ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: "أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيها فزادها مرة أخرى، فلم ترض فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك ترد عليك الهدية، فقال: لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني، لا أدخل عليكن شهرا" الحديث. ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة نحوه وفيه: "ذبح ذبحا فقسمه بين أزواجه، فأرسل إلى زينب بنصيبها فردته، فقال زيدوها ثلاثا، كل ذلك ترده" فذكر نحوه. وفيه قول قول آخر أخرجه مسلم من حديث جابر قال: "جاء أبو بكر والناس جلوس بباب النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لأحد منهم فأذن لأبي بكر فدخل ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحوله نساؤه" فذكر الحديث وفيه: "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة، ثم اعتزلهن شهرا" فذكر نزول آية التخيير، ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببا لاعتزالهن. وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحه، وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن. وقصر ابن الجوزي فنسب قصة الذبح لابن حبيب بغير إسناد وهي مسندة عند ابن سعد، وأبهم قصة النفقة وهي في صحيح مسلم، والراجح من الأقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن كما سيأتي، ويحتمل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمها، ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلا في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة. ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر والله أعلم. قوله: "فاعتزل النبي نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة" العدد متعلق بقوله فاعتزل نساءه. قوله: "وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا" في رواية حماد بن سلمة عند مسلم في طريق عبيد بن حنين "وكان آلى منهن شهرا" أي حلف أو أقسم، وليس المراد به الإيلاء الذي في عرف الفقهاء اتفاقا، وسيأتي بعد سبعة أبواب من حديث أنس قال: "آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا" وهذا موافق للفظ رواية حماد بن سلمة هنا، وإن كان أكثر الرواة في حديث عمر لم يعبروا بلفظ الإيلاء. قوله: "من شدة موجدته عليهن" أي غضبه. قوله: "دخل على عائشة" فيه أن من غاب عن أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن، ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ ولا أن يقرع، كذا قيل، ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها. قوله: "فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا" تقدم أن في رواية سماك بن الوليد أن عمر ذكره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا منافاة بينهما لأن في سياق حديث عمر أنه ذكره بذلك عند نزوله من الغرفة وعائشة ذكرته بذلك حين دخل عليها فكأنهما تواردا على ذلك، وقد أخرج مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال: "فقلنا" فظاهر هذا السياق يوهم أنه من تتمة حديث عمر فيكون عمر حضر ذلك من عائشة، وهو محتمل عندي، لكن يقوى أن يكون هذا من تعاليق الزهري في هذه الطريق، فإن هذا القدر عنده عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم من رواية معمر عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أنه لا يدخل على نسائه شهرا، قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة قالت. فذكره". قوله: "وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة" في رواية عقيل "لتسع" باللام. وفي رواية السرخسي فيها "بتسع" بالموحدة وهي متقاربة، قال الإسماعيلي: من هنا إلى آخر الحديث وقع مدرجا في رواية
(9/290)

شعيب عن الزهري، ووقع مفصلا في رواية معمر "قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الحديث. قلت: ونسبة الإدراج إلى شعيب فيه نظر، فقد تقدم في المظالم من رواية عقيل عن الزهري كذلك. وأخرج مسلم طريق معمر كما قال الإسماعيلي مفصلة، والله أعلم. وقد تقدم في تفسير الأحزاب أن البخاري حكى الاختلاف على الزهري في قصة التخيير هل هي عن عروة عن عائشة أو عن أبي سلمة عن عائشة. قوله: "فقال: الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة" في هذا إشارة إلى تأويل الكلام الذي قبله وأنه لا يراد به الحصر، أو أن اللام في قوله: "الشهر" للعهد من الشهر المحلوف عليه ولا يلزم من ذلك أن تكون الشهور كلها كذلك، وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته المطلقة أن الشهر تسع وعشرون، فأخرج أحمد من طريق يحيى بن عبد الرحمن عن ابن عمر رفعه: "الشهر تسع وعشرون" قال فذكروا ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، إنما قال: الشهر يكون تسعا وعشرين. وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير الذي جزمت به عائشة وبينته قبل هذا عند الكلام على ما وقع في رواية سماك ابن الوليد من الإشكال. قوله: "قالت عائشة: ثم أنزل الله آية التخيير" في رواية عقيل "فأنزلت: وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى. وفي الحديث سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ قاله المهلب، قال: وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره، وترقب خلوات العالم يسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، ويؤخذ من ذلك مراعاة المروءة. وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه. وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجها، وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل السائل عن ذلك إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، وخصوصا إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك. وفيه مهابة الطالب للعالم وتواضع العالم له وصبره على مساءلته وإن كان عليه في شيء من ذلك غضاضة. وفيه جواز ضرب الباب ودقه إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك. ودخول الآباء على البنات ولو كان بغير إذن الزوج، والتنقيب عن أحوالهن لا سيما ما يتعلق بالمتزوجات. وفيه حسن تلطف ابن عباس وشدة حرصه على الإطلاع على فنون التفسير. وفيه طلب علو الإسناد لأن ابن عباس أقام مدة طويلة ينتظر خلوة عمر ليأخذ عنه؛ وكان يمكنه أخذ ذلك بواسطة عنه ممن لا يهاب سؤاله كما كان يهاب عمر. وفيه حرص الصحابة على طلب العلم والضبط بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه أن طالب العلم يجعل لنفسه وقتا يتفرغ فيه لأمر معاشه وحال أهله. وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي. وفيه إيثار الاستجمار في الأسفار وإبقاء الماء للوضوء. وفيه ذكر العالم ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن، وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه، وبيان ذكر وقت التحمل. وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من زلل في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى. وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، ويكون قول أنس الماضي في كتاب الجنائز في المرأة التي وعظها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه "ثم جاءت إليه فلم تجد له بوابين" محمولا على الأوقات التي يجلس فيها للناس، قال المهلب: وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصته عند الأمر بطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو منبسط
(9/291)

إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر عظيم المنزلة عنده. وفيه الرفق بالأصهار والحياء منهم إذا وقع للرجل من أهله ما يقتضى معاتبتهم. وفيه أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام وأفضل في بعض الأحايين، لأنه عليه الصلاة والسلام لو أمر غلامه برد عمر لم يجز لعمر العود إلى الاستئذان مرة بعد أخرى، فلما سكت فهم عمر من ذلك أنه لم يؤثر رده مطلقا، أشار إلى ذلك المهلب. وفيه أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكوت المحجوب لم يأذن. وفيه مشروعية الاستئذان على الإنسان وإن كان وحده لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها. وفيه جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له إذا رجا حصول الإذن، وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي إيضاحه في كتاب الاستئذان في قصة أبي موسى مع عمر، والاستدراك على عمر من هذه القصة لأن الذي وقع من الإذن له في المرة الثالثة وقع اتفاقا، ولو لم يؤذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الاستئذان لأنه صرح كما سيأتي بأنه لم يبلغه ذلك الحكم. وفيه أن كل لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهو استعجال له من نعيم الآخرة، وأنه لو ترك ذلك لادخر له في الآخرة، أشار إلى ذلك الطبري واستنبط منه بعضهم إيثار الفقر على الغنى وخصه الطبري بمن لم يصرفه في وجوهه ويفرقه في سبله التي أمر الله بوضعه فيها، قال: وأما من فعل ذلك فهو من منازل الامتحان، والصبر على المحن مع الشكر أفضل من الصبر على الضراء وحده انتهى. قال عياض: هذه القصة مما يحتج به من يفضل الفقير على الغني لما في مفهوم قوله: "إن من تنعم في الدنيا يفوته في الآخرة بمقداره"، قال وحاوله الآخرون بأن المراد من الآية أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا إذ لا حظ لهم في الآخرة انتهى، وفي الجواب نظر، وهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف، وهي طويلة الذيل سيكون لنا بها إلمام إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق. وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموما استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئا يضحك النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك كما فعل عمر. وفيه جواز الاستعانة في الوضوء بالصب على المتوضئ، وخدمة الصغير الكبير وإن كان الصغير أشرف نسبا من الكبير. وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر. وفيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك، لأن عائشة خشيت أن يكون صلى الله عليه وسلم نسى مقدار ما حلف عليه وهو شهر والشهر ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما، فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت أنه ذهل عن القدر أو أن الشهر لم يهل، فأعلمها أن الشهر استهل فإن الذي كان الحلف وقع فيه جاء تسعا وعشرين يوما. وفيه تقوية لقول من قال إن يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر إلا بثلاثين، وذهبت طائفة في الاكتفاء بتسعة وعشرين أخذا بأقل ما ينطلق عليه الاسم، قال ابن بطال: يؤخذ منه أن من حلف على فعل شيء يبر بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم، والقصة محمولة عند الشافعي ومالك على أنه دخل أول الهلال وخرج به فلو دخل في أثناء الشهر لم يبر إلا بثلاثين. وفيه سكنى الغرفة ذات الدرج واتخاذ الخزانة لأثاث البيت والأمتعة. وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي. وفيه قبول خبر الواحد ولو كان الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولا، ورواية الكبير عن الصغير، وأن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في
(9/292)

رواية بوقوع التطليق وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن فشاع ذلك فتحدث الناس به، وأخلق بهذا الذي ابتدأ بإشاعة ذلك أن يكون من المنافقين كما تقدم، وفيه الاكتفاء بمعرفة الحكم بأخذه عن القرين مع إمكان أخذه عاليا عمن أخذه عنه القرين، وأن الرغبة في العلو حيث لا يعوق عنه عائق شرعي، ويمكن أن يكون المراد بذلك أن يستفيد منه أصول ما يقع في غيبته ثم يسأل عنه بعد ذلك مشافهة، وهذا أحد فوائد كتابة أطراف الحديث. وفيه ما كان الصحابة عليه من محبة الاطلاع على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم جلت أو قلت، واهتمامهم بما يهتم له لإطلاق الأنصاري اعتزاله نساءه الذي أشعر عنده بأنه طلقهن المقتضي وقوع غمه صلى الله عليه وسلم بذلك أعظم من طروق ملك الشام الغساني بجيوشه المدينة لغزو من بها، وكان ذلك بالنظر إلى أن الأنصاري كان يتحقق أن عدوهم ولو طرقهم مغلوب ومهزوم واحتمال خلاف ذلك ضعيف، بخلاف الذي وقع بما توهمه من التطليق الذي يتحقق معه حصول الغم وكانوا في الطرف الأقصى من رعاية خاطره صلى الله عليه وسلم أن يحصل له تشويش ولو قل والقلق لما يقلقه والغضب لما يغضبه والهم لما يهمه رضي الله عنهم. وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه لقول عمر: ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات. وفيه شدة الفزع والجزع للأمور المهمة، وجواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم أنه لا يكره ذلك، وبهذا يجمع بين ما وقع لعمر وبين ما ورد من النهي عن فضول النظر، أشار إلى ذلك النووي. ويحتمل أن يكون نظر عمر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع أولا اتفاقا فرأى الشعير والقرظ مثلا فاستقله فرفع رأسه لينظر هل هناك شيء أنفس منه فلم ير إلا الأهب فقال ما قال، ويكون النهي محمولا على من تعمد النظر في ذلك والتفتيش ابتداء. وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلا والاستغفار من وقوع ذلك وطلب الاستغفار من أهل الفضل وإيثار القناعة وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية. وفيه المعاقبة على إفشاء السر بما يليق بمن أفشاه.
(9/293)