بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ
 
5024- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ"
قوله: "باب ما يكره من ضرب النساء" فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقا، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه
(9/302)

أو تحريم على ما سنفصله. قوله: "وقول الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}" أي ضربا غير مبرح" هذا التفسير منتزع من المفهوم من حديث الباب من قوله: "ضرب العبد" كما سأوضحه، وقد جاء ذلك صريحا في حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه: "فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح" الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي واللفظ له، وفي حديث جابر الطويل عند مسلم: "فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح". قلت: وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهي عن ضرب الوجه. قوله: "سفيان" هو الثوري، وهشام هو ابن عروة، وعبد الله بن زمعة تقدم بيان نسبه في تفسير سورة والشمس. قوله: "لا يجلد أحدكم" كذا في نسخ البخاري بصيغة النهي، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن سفيان النسائي عن الفريابي - وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه - بصيغة الخبر وليس في أوله صيغة النهي، وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن الفريابي، وكذا توارد عليه أصحاب هشام بن عروة، وتقدم في التفسير من رواية وهيب، ويأتي في الأدب من رواية ابن عيينة، وكذا أخرجه أحمد عن ابن عيينة وعن وكيع وعن أبي معاوية وعن ابن نمير، وأخرجه مسلم وابن ماجه من رواية ابن نمير، والترمذي والنسائي من رواية عبدة بن سليمان، ففي رواية أبي معاوية وعبدة "إلام يجلد" وفي رواية وكيع وابن نمير "علام يجلد" وفي رواية ابن عيينة "وعظهم في النساء فقال: يضرب أحدكم امرأته" وهو موافق لرواية أحمد بن سفيان، وليس عند واحد منهم صيغة النهي. قوله: "جلد العبد" أي مثل جلد العبد، وفي إحدى روايتي ابن نمير عند مسلم: "ضرب الأمة" وللنسائي من طريق ابن عيينة "كما يضرب العبد والأمة" وفي رواية أحمد بن سفيان "جلد البعير أو العبد" وسيأتي في الأدب من رواية ابن عيينة "ضرب الفحل أو العبد" والمراد بالفحل البعير، وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود "ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك". قوله: "ثم يجامعها" في رواية أبي معاوية "ولعله أن يضاجعها" وهي رواية الأكثر. وفي رواية لابن عيينة في الأدب "ثم لعله يعانقها". وقوله: "في آخر اليوم" في رواية ابن عيينة عند أحمد "من آخر الليل" وله عند النسائي: "آخر النهار" وفي رواية ابن نمير والأكثر "في آخر يومه" وفي رواية وكيع "آخر الليل أو من آخر الليل" وكلها متقاربة. وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد، والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك وإليه أشار المصنف بقوله: "غير مبرح"، وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل: أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب، قال المهلب: بين صلى الله عليه وسلم بقوله: "جلد العبد" أن ضرب الرقيق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهما، ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها ا هـ. وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقا، فعند أحمد وأبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة "لا تضربوا إماء الله" فجاء عمر فقال: قد ذئر النساء على أزواجهن، فأذن لهم فضربوهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير فقال: لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم" وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان، وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند
البيهقي، وقوله: "ذئر" بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أي نشز بنون ومعجمة وزاي، وقيل معناه غضب واستب، قال الشافعي: يحتمل أن يكون النهي على الاختيار والإذن فيه على الإباحة، ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن بعد نزولها فيه. وفي قوله: "لن يضرب خياركم" دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله. وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله" وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.
(9/304)