بَاب الْغَيْرَةِ وَقَالَ وَرَّادٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لاَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي"
 
5220- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ"
5221- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"
5222- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ شَيْءَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ"
5223- وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ"
5224- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الأَنْصَارِ
(9/319)

فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي"
5225- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ فيه"
5226- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أَتَيْتُ الْجَنَّةَ فَأَبْصَرْتُ قَصْرًا فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلاَّ عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ"
5227- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ"
قوله: "باب الغيرة" بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء، قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. هذا في حق الآدمي، وأما في حق الله فقال الخطابي: أحسن ما يفسر به ما فسر به في حديث أبي هريرة، يعني الآتي في هذا الباب وهو قوله: "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه" قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا. وقال ابن العربي: التغير محال على الله بالدلالة القطعية
(9/320)

فيجب تأويله بلازمه كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك ا هـ. وقد تقدم في كتاب الكسوف شيء من هذا ينبغي استحضاره هنا. ثم قال: ومن أشرف وجوه غيرته تعالى اختصاصه قوما بعصمته، يعني فمن ادعى شيئا من ذلك لنفسه عاقبه، قال وأشد الآدميين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغار لله ولدينه، ولهذا كان لا ينتقم لنفسه ا هـ. وأورد المصنف في الباب تسعة أحاديث: الحديث الأول. قوله: "وقال وراد" بفتح الواو وتشديد الراء هو كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه، وحديثه هذا المعلق عن المغيرة سيأتي موصولا في كتاب الحدود من طريق عبد الملك بن عمير عنه بلفظه لكن فيه: "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:" واختصرها هنا، ويأتي أيضا في كتاب التوحيد من هذا الوجه أتم سياقا، وأغفل المزي التنبيه على هذا التعليق في النكاح. قوله: "قال سعد بن عبادة" هو سيد الخزرج وأحد نقبائهم.قوله: "لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته" عند مسلم من حديث أبي هريرة ولفظه : "قال سعد: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم" وزاد في رواية من هذا الوجه "قال كلا والذي بعثك بالحق، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك" وفي حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم" لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية، قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت؟ فلو وجدت لكاع متفخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء؟ فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله إني لأعلم يا رسول الله أنها لحق وأنها من عند الله، ولكني عجبت. قوله: "غير مصفح" قال عياض: هو بكسر الفاء وسكون الصاد المهملة، قال: ورويناه أيضا بفتح الفاء، فمن فتح جعله وصفا للسيف وحالا منه، ومن كسر جعله وصفا للضارب وحالا منه ا هـ. وزعم ابن التين أنه وقع في سائر الأمهات بتشديد الفاء وهو من صفح السيف أي عرضه وحده، ويقال له غرار بالغين المعجمة، وللسيف صفحان وحدان، وأراد أنه يضربه بحده لا بعرضه، والذي يضرب بالحد يقصد إلى القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنه يقصد التأديب. ووقع عند مسلم من رواية أبي عوانة "غير مصفح عنه" وهذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا على البناء للمجهول، وقد أنكرها ابن الجوزي وقال: ظن الراوي أنه من الصفح الذي هو بمعنى العفو، وليس كذلك إنما هو من صفح السيف، قلت: ويمكن توجيهها على المعنى الأول، والصفح والصفحة بمعنى. وقد أورده مسلم من طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير وبين أنه ليس في روايته لفظه: "عنه" وكذا سائر من رواه عن أبي عوانة في البخاري وغيره لم يذكروها. قوله: "أتعجبون من غيرة سعد" تمسك بهذا التقرير من أجاز فعل ما قال سعد وقال: إن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا، نقل ذلك عن ابن المواز من المالكية، وسيأتي بسط ذلك وبيانه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. قوله: "شقيق" هو أبو وائل الأسدي وعبد الله هو ابن مسعود. قوله: "ما من أحد أغير من الله" "من" زائدة بدليل الحديث الذي بعده، ويجوز في "أغير" الرفع والنصب على اللغتين الحجازية والتميمية في "ما" ويجوز في النصب أن يكون "أغير" في موضع خفض على النعت لأحد، وفي الرفع أن يكون صفة لأحد، والخبر محذوف في الحالين تقديره موجود ونحوه، والكلام على غيره الله ذكر في الذي قبله، وبقية شرح الحديث يأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. "تنبيه": وقع عند
(9/321)

الإسماعيلي قبل حديث ابن مسعود ترجمة صورتها "في الغيرة والمدح" وما رأيت ذلك في شيء من نسخ البخاري. حديث عائشة. قوله: "يا أمة محمد، ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته تزني" كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن سلمة وهو القعنبي عن مالك، ووقع في سائر الروايات عن مالك "أو تزني أمته" على وزان الذي قبله، وقد تقدم في كتاب الكسوف عن عبد الله بن مسلمة هذا بهذا الإسناد كالجماعة، فيظهر أنه من سبق القلم هنا، ولعل لفظة "تزني" سقطت غلطا من الأصل ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها. وهذا القدر الذي أورده المصنف من هذا الحديث هو طرف من الخطبة المذكورة في كتاب الكسوف، وقد تقدم شرحه مستوفى هناك بحمد الله تعالى. قوله: "عن يحيى" هو ابن أبي كثير. قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن. قوله: "أن عروة" في رواية حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عند مسلم: "حدثني عروة" ورواية أبي سلمة عن عروة من رواية القرين عن القرين لأنهما متقاربان في السن واللقاء، وإن كان عروة أسن من أبي سلمة قليلا. قوله: "عن أمه أسماء" هي بنت أبي بكر، ووقع في رواية مسلم المذكورة "أن أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثته". قوله: "لا شيء أغير من الله" في رواية حجاج المذكورة "ليس شيء أغير من الله" وهما بمعنى. قوله: "وعن يحيى أن أبا سلمة حدثه أن أبا هريرة حدثه" هكذا أورده، وهو معطوف على السند الذي قبله فهو موصول، ولم يسق البخاري المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته، والذي يظهر أن لفظهما واحد، وقد وقع في رواية حجاج بن أبي عثمان عند مسلم بتقديم حديث أبي سلمة عن عروة على حديثه عن أبي هريرة عكس ما وقع في رواية همام عند البخاري، وأورده مسلم أيضا من رواية حرب بن شداد عن يحيى بحديث أبي هريرة فقط مثل ما أورده البخاري من رواية شيبان عن يحيى، ثم أورده مسلم من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بحديث أسماء فقط، فكأن يحيى كان يجمعهما تارة ويفرد أخرى، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية الأوزاعي عن يحيى بحديث أسماء فقط وزاد في أوله "على المنبر". قوله: "إن الله يغار" زاد في رواية حجاج عند مسلم: "وإن المؤمن يغار". قوله: "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله" كذا للأكثر وكذا هو عند مسلم لكن بلفظ: "ما حرم عليه" على البناء للفاعل وزيادة "عليه" والضمير للمؤمن، ووقع في رواية أبي ذر "وغيرة الله أن لا يأتي" بزيادة "لا" وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفي، وأفرط الصغاني فقال: كذا للجميع والصواب حذف "لا"، كذا قال وما أدري ما أراد بالجميع، بل أكثر رواة البخاري على حذفها وفاقا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما، وقد وجهها الكرماني وغيره بما حاصله: أن غيرة الله ليست هي الإتيان ولا عدمه، فلا بد من تقدير مثل لأن لا يأتي أي غيرة الله على النهي عن الإتيان أو نحو ذلك. وقال الطيبي: التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وعلى تقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات "لا" فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرا مثل قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} – {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} وغير ذلك. قوله: "حدثني محمود" هو ابن غيلان المروزي. قوله: "أخبرني أبي عن أسماء" هي أمه المقدم ذكرها قبل. قوله: "تزوجني الزبير" أي ابن العوام "وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه" أما عطف المملوك على المال فعلى أن المراد بالمال الإبل أو الأراضي التي تزرع، وهو استعمال معروف للعرب يطلقون المال على كل من ذلك، والمراد بالمملوك على هذا الرقيق من العبيد
(9/322)

والإماء، وقولها بعد ذلك "ولا شيء" من عطف العام على الخاص يشمل كل ما يتملك أو يتمول لكن الظاهر أنها لم ترد إدخال ما لا بد له منه من مسكن وملبس ومطعم ورأس مال تجارة، ودل سياقها على أن الأرض التي يأتي ذكرها لم تكن مملوكة للزبير وإنما كانت إقطاعا، فهو يمللك منفعتها لا رقبتها، ولذلك لم تستثنها كما استثنت الفرس والناضح، وفي استثنائها الناضح والفرس نظر استشكله الداودي، لأن تزويجها كان بمكة قبل الهجرة، وهاجرت وهي حامل بعبد الله بن الزبير كما تقدم ذلك صريحا في كتاب الهجرة، والناضح وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء إنما حصل له بسبب الأرض التي أقطعها، قال الداودي: ولم يكن له بمكة فرس ولا ناضح، والجواب منع هذا النفي وأنه لا مانع أن يكون الفرس والجمل كانا له بمكة قبل أن يهاجر، فقد ثبت أنه كان في يوم بدر على فرس ولم يكن قبل بدر غزوة حصلت لهم منها غنيمة، والجمل يحتمل أن يكون كان له بمكة ولما قدم به المدينة وأقطع الأرض المذكورة أعده لسقيها وكان ينتفع به قبل ذلك في غير السقي فلا إشكال. قوله: "فكنت أعلف فرسه" زاد مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة "وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناصحه وأعلفه" ولمسلم أيضا من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء "كنت أخدم الزبير خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شيء أشد علي من سياسة الفرس كنت أحش له وأقوم عليه". قوله: "وأستقي الماء" كذا للأكثر، وللسرخسي "وأسقي" بغير مثناة وهو على حذف المفعول أي وأسقي الفرس أو الناضح الماء، والأول أشمل معنى وأكثر فائدة. قوله: "وأخرز" بخاء معجمة ثم راء ثم زاي "غربه" بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هو الدلو. قوله: "وأعجن" أي الدقيق وهو يؤيد ما حملنا عليه المال، إذ لو كان المراد نفي أنواع المال لانتفى الدقيق الذي يعجن، لكن ليس ذلك مرادها، وقد تقدم في حديث الهجرة أن الزبير لاقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر راجعا من الشام بتجارة وأنه كساهما ثيابا. قوله: "ولم أكن أحسن أخبز فكان يخبز جارات لي" في رواية مسلم: "فكان يخبز لي" وهذا محمول على أن في كلامها شيئا محذوفا تقديره تزوجني الزبير بمكة وهو بالصفة المذكورة، واستمر على ذلك حتى قدمنا المدينة، وكنت أصنع كذا إلخ، لأن النسوة من الأنصار إنما جاورنها بعد قدومها المدينة قطعا، وكذلك ما سيأتي من حكاية نقلها النوى من أرض الزبير. قوله: "وكن نسوة صدق" أضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد. قوله: "وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم" تقدم في كتاب فرض الخمس بيان حال الأرض المذكورة وأنها كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير، وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة كما تقدم بيان ذلك هناك. قوله: "وهي مني" أي من مكان سكناها. قوله: "فدعاني ثم قال إخ إخ" بكسر الهمزة وسكون الخاء، كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه. قوله: "ليحملني خلفه" كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال، وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك. قوله: "فاستحييت أن أسير مع الرجال" هذا بنته على ما فهمته من الارتداف، وإلا فعلى الاحتمال الآخر ما تتعين المرافقة. قوله: "وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس" هو بالنسبة إلى من علمته، أي أرادت تفضيله على أبناء جنسه في ذلك، أو "من" مرادة، ثم رأيتها ثابتة في رواية الإسماعيلي ولفظه: "وكان من أغير الناس". قوله: "والله لحملك النوى على رأسك كان أشد علي من ركوبك معه" كذا للأكثر. وفي رواية السرخسي كان أشد عليك وسقطت هذه اللفظة من رواية مسلم، ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه
(9/323)

كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته، فهي في تلك الحالة لا يحل له تزويجها أن لو كانت خلية من الزوج، وجواز أن يقع لها ما وقع لزينب بنت جحش بعيد جدا لأنه يزيد عليه لزوم فراقه لأختها، فما بقي إلا احتمال أن يقع لها من بعض الرجال مزاحمة بغير قصد، وأن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه ونحو ذلك، وهذا كله أخف مما تحقق من تبذلها بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد لأنه قد يتوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة ولكن كان السبب الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويقيمهم فيه، وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم، فانحصر الأمر في نسائهم فكن يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الإسلام مع ما ينضم إلى ذلك من العادة المانعة من تسمية ذلك عارا محضا. قوله: "حتى أرسل إلي أبو بكر بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني" في رواية مسلم: "فكفتني" وهي أوجه، لأن الأولى تقتضي أنه أرسلها لذلك خاصة، بخلاف رواية مسلم وقد وقع عنده في رواية ابن أبي مليكة "جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبى فأعطاها خادما، قالت كفتني سياسة الفرس فألقت عني مؤنته" ويجمع بين الروايتين بأن السبي لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما ليرسله إلى ابنته أسماء فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطي، ولكن وصل ذلك إليها بواسطة. ووقع عنده في هذه الرواية أنها باعتها بعد ذلك وتصدقت بثمنها، وهو محمول على أنها استغنت عنها بغيرها. واستدل بهذه القصة على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة، وإليه ذهب أبو ثور، وحمله الباقون على أنها تطوعت بذلك ولم يكن لازما، أشار إليه المهلب وغيره. والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت في حال ضرورة كما تقدم فلا يطرد الحكم في غيرها ممن لم يكن في مثل حالهم، وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين شكت ما تلقى يداها من الرحى وسألت أباها خادما فدلها على خير من ذلك وهو ذكر الله تعالى، والذي يترجح حمل الأمر في ذلك على عوائد البلاد فإنها مختلفة في هذا الباب، قال المهلب: وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوعت بخدمة زوجها بشيء لا يلزمها لم ينكر عليها ذلك أب ولا سلطان، وتعقب بأنه بناه على ما أصله من أن ذلك كان تطوعا، ولخصمه أن يعكس فيقول لو لم يكن لازما ما سكت أبوها مثلا على ذلك مع ما فيه من المشقة عليه وعليها، ولا أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع عظمة الصديق عنده؛ قال: وفيه جواز ارتداف المرأة خلف الرجل في موكب الرجال، قال: وليس في الحديث أنها استترت ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك، فيؤخذ منه أن الحجاب إنما هو في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ا هـ. والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته، وقد قالت عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور "لما نزلت : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}" أخذن أزرهن من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها" ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب، والذي ذكر عياض أن الذي اختص به أمهات المؤمنين ستر شخوصهن زيادة على ستر أجسامهن، وقد ذكرت البحث معه في ذلك في غير هذا الموضع. قال المهلب: وفيه غيرة الرجل عند ابتذال أهله فيما يشق من الخدمة وأنفة نفسه من ذلك لا سيما إذا كانت ذات حسب انتهى. وفيه منقبة لأسماء وللزبير ولأبي بكر ولنساء الأنصار. قوله: "حدثنا علي" هو ابن المديني، وابن علية اسمه إسماعيل. وقوله عن أنس تقدم في المظالم بيان من صرح عن حميد بسماعه له من أنس، وكذا تسمية المرأتين المذكورتين، وأن التي كانت في بيتها هي عائشة وأن التي هي أرسلت الطعام
(9/324)

زينب بنت جحش وقيل غير ذلك. قوله: "غارت أمكم" الخطاب لمن حضر، والمراد بالأم هي التي كسرت الصحفة وهي من أمهات المؤمنين كما تقدم بيانه، وأغرب الداودي فقال: المراد بقوله: "أمكم" سارة، وكأن معنى الكلام عنده لا تتعجبوا مما وقع من هذه من الغيرة فقد غارت قبل ذلك أمكم حتى أخرج إبراهيم ولده إسماعيل وهو طفل مع أمه إلى واد غير ذي زرع، وهذا وإن كان له بعض توجيه لكن المراد خلافه وأن المراد كاسرة الصحفة وعلى هذا حمله جميع من شرح هذا الحديث وقالوا: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة. وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا: "أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه" قاله في قصة. وعن ابن مسعود رفعه: "إن الله كتب الغيرة على النساء، فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد" أخرجه البزار وأشار إلى صحته ورجاله ثقات، لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم. وفي إطلاق الداودي على سارة أنها أم المخاطبين نظر أيضا، فإنهم إن كانوا من بني إسماعيل فأمهم هاجر لا سارة، ويبعد أن يكونوا من بني إسرائيل حتى يصح أن أمهم سارة. قوله: "معتمر" هو ابن سليمان التيمي وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وقد تقدم الحديث عن جابر مطولا في مناقب عمر مع شرحه. قوله: "بينما أنا نائم رأيتني في الجنة" هذا يعين أحد الاحتمالين في الحديث الذي قبله حيث قال فيه: "دخلت الجنة أو أتيت الجنة" وأنه يحتمل أن ذلك كان في اليقظة أو في النوم فبين هذا الحديث أن ذلك كان في النوم. قوله: "فإذا امرأة تتوضأ" تقدم النقل عن الخطابي في زعمه أن هذه اللفظة تصحيف وأن القرطبي عزا هذا الكلام لابن قتيبة، وهو كذلك أورده في "غريب الحديث:" من طريق أخرى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وتلقاه عنه الخطابي فذكره في شرح البخاري وارتضاه ابن بطال فقال يشبه أن تكون هذه الرواية الصواب. وتتوضأ تصحيف، لأن الحور طاهرات لا وضوء عليهن، وكذا كل من دخل الجنة لا تلزمه طهارة، وقد قدمت البحث مع الخطابي في هذا في مناقب عمر بما أغنى عن إعادته، وقد استدل الداودي بهذا الحديث على أن الحور في الجنة يتوضئان ويصلين قلت: ولا يلزم من كون الجنة لا تكليف فيها بالعبادة أن لا يصدر من أحد من العباد باختياره ما شاء من أنواع العبادة. ثم قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن من علم من صاحبه خلقا لا ينبغي أن يتعرض لما ينافره ا هـ. وفيه أن من نسب إلى من اتصف بصفة صلاح ما يغاير ذلك ينكر عليه. وفيه أن الجنة موجودة وكذلك الحور، وقد تقدم تقرير ذلك في بدء الخلق، وسائر فوائده تقدمت في مناقب عمر.
(9/325)