بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}
 
285- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ أَعْلَمُ مِنْ الإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ"
قوله: "باب قول الله سبحانه {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} كذا للأكثر؛ وساق في رواية كريمة إلى قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} ولم يبت البخاري حكم المسألة لقيام الاحتمال عنده في تأويلها، فالأكثر أنها على العموم وأنها خصت
(9/416)

بآية المائدة، وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس حكاه ابن المنذر وغيره. ثم أورد المصنف فيه قول ابن عمر في نكاح النصرانية وقوله لا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى" وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة، فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة وبه جزم إبراهيم الحربي، ورده النحاس فحمله على التورع كما سيأتي، وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فبقي سائر المشركات على أصل التحريم وعن الشافعي قول آخر أن عموم آية البقرة أريد به خصوص آية المائدة، وأطلق ابن عباس أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة، وقد قيل إن ابن عمر شذ بذلك فقال ابن المنذر لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك ا ه، لكن أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات وقال: كان ذلك والمسلمات قليل، وهذا ظاهر في أنه خص الإباحة بحال دون حال. وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على الرخصة. وروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن. وزعم ابن المرابط تبعا للنحاس وغيره أن هذا مراد ابن عمر أيضا لكنه خلاف ظاهر السياق، لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحد، وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه مهم، وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك، وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه، وتقدم بحث في ذلك الكلام على حديث هرقل في كتاب الإيمان، فذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات، وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضا عن سعيد بن المسيب وطائفة وبه قال أبو ثور. وقال ابن بطال هو محجوج بالجماعة والتنزيل، وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين، وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب لقوله تعالى :{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} لكن لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس دل على أنهم أهل كتاب، فكان القياس أن يجري عليهم بقية أحكام الكتابيين، لكن أجيب عن أخذ الجزية من المجوس أنهم اتبعوا فيهم الخير، ولم يرد مثل ذلك في النكاح والذبائح، وسيأتي تعرض. لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى.
(9/417)