بَاب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ
 
5357- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ قَالَ لِي مَعْمَرٌ قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ قَالَ مَعْمَرٌ فَلَمْ يَحْضُرْنِي ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ
(9/501)

وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ"
5358- حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن بن شهاب قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فينبغي فقال مالك انطلقت حتى أدخل على عمر إذ أتاه حاجبه يرفأ فقال ثم هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون قال نعم فأذن لهم قال فدخلوا وسلموا فجلسوا ثم لبث يرفأ قليلا فقال لعمر هل لك في علي وعباس قال نعم فأذن لهما فلما دخلا سلما وجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر اتئدوا أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك قالا قد قال ذلك قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره قال الله {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ - إلى قوله- قَدِيرٌ} فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما احتازها دونكم ولا أستأثر بها عليكم لقد أعطاكموها حتى بقى منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك قالوا نعم قال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك قالا نعم ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع جئتني تسألني نصيبك من بن أخيك وأتى هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل به فيها أبو بكر وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك فقال الرهط نعم قال فأقبل على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما
(9/502)

بذلك قالا نعم قال أفتلتمسان مني ذلك فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها فأنا أكفيكماها"
قوله: "باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال" ؟ ذكر فيه حديث عمر، وهو مطابق لركن الترجمة الأول، وأما الركن الثاني وهو كيفية النفقة على العيال فلم يظهر لي أولا وجه أخذه من الحديث، ولا رأيت من تعرض له، ثم رأيت أنه بمكن أن يؤخذ منه دليل التقدير لأن مقدار نفقة السنة إذا عرف عرف منه توزيعها على أيام السنة فيعرف حصة كل يوم من ذلك، فكأنه قال: لكل واحدة في كل يوم قدر معين من المغل المذكور، والأصل في الإطلاق التسوية. قوله: "حدثني محمد بن سلام" كذا في رواية كريمة، وللأكثر "حدثني محمد" حسب. قوله: "قال لي معمر قال لي الثوري" هذا الحديث مما فات ابن عيينة سماعه من الزهري فرواه عنه بواسطة معمر، وقد رواه أيضا عن عمرو بن دينار عن الزهري بأتم من سياق معمر، وتقدم في تفسير سورة الحشر. وأخرجه الحميدي وأحمد في مسنديهما عن سفيان عم معمر وعمرو بن دينار جميعا عن الزهري، وقد أخرج مسلم رواية معمر وحدها عن يحيى بن يحيى عن سفيان عن معمر عن الزهري ولكنه لم يسق لفظه وقد أخرج إسحاق بن راهويه رواية معمر منفردة عن سفيان عنه عن الزهري بلفظ: "كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بني النضير ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح" وقد أخرج مسلم الحديث مطولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وفي كل من الإسنادين رواية الأقران، فإن ابن عيينة عن معمر قرينان، وعمرو بن دينار عن الزهري كذلك. ويؤخذ منه المذاكرة بالعلم وإلقاء العالم المسألة على نظيره ليستخرج ما عنده من الحفظ، وتثبت معمر وإنصافه لكونه اعترف أنه لا يستحضر إذ ذاك في المسألة شيئا، ثم لما تذكرها أخبر بالواقعة كما هي ولم يأنف مما تقدم. قوله: "كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم" كذا أورده مختصرا ثم ساق المصنف الحديث بطوله من طريق عقيل عن ابن شهاب الزهري، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل فرض الخمس. قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة، وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث: "كان لا يدخر شيئا لغد" فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره، ولو كان له في ذلك مشاركة، لكن المعنى أنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر، قال: والمتكلمون على لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل انتهى. وفيه إشارة إلى الرد على الطبري حيث استدل بالحديث على جواز الادخار مطلقا خلافا لمن منع ذلك، وفي الذي نقله الشيخ تقييد بالسنة اتباعا للخبر الوارد، لكن استدلال الطبري قوي، بل التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع لأن الذي كان يدخر لم يكن يحصل إلا من السنة إلى السنة، لأنه كان إما تمرا وإما شعيرا، فلو قدر أن شيئا مما يدخر كان لا يحصل إلا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك، والله أعلم. ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في طول السنة ربما استجره منهم لمن يرد عليه ويعوضهم عنه، ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتا لأهله. واختلف في جواز ادخار القوت لمن يشتريه من السوق، قال عياض: أجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث، ولا حجة فيه لأنه إنما كان من مغل الأرض، ومنعه قوم إلا أن كان لا يضر بالسعر، وهو متجه إرفاقا بالناس. ثم محل هذا
(9/503)

الاختلاف إذا لم يكن في حال الضيق، وإلا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلا.
(9/504)