بَاب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ
 
5458- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا"
[الحديث 5458- طرفه في: 5459]
5459- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ وَقَالَ مَرَّةً الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى رَبَّنَا"
قوله: "باب ما يقول إذا فرغ من طعامه" قال ابن بطال: اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام، ووردت في ذلك أنواع، يعني لا يتعين شيء منها. قوله: "سفيان" هو الثوري، وثور بن يزيد هو الشامي، وأول اسم أبيه ياء تحتانية. وقد أورد البخاري هذا الإسناد عن ثور نازلا ثم أورده عاليا عنه ومداره في أكثر الطرق عليه، وقد تابعه بعضه عامر بن جشيب وهو بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وآخره موحدة وزن عظيم، أخرجه الطبراني وابن أبي عاصم من طريقه فقال في سياقه "عن عامر عن خالد قال: شهدنا صنيعا - أي وليمة - في منزل عبد الأعلى ومعنا أبو أمامة" وذكره البخاري في تاريخه من هذا الوجه فقال: "عبد الأعلى بن هلال السلمي". قوله: "إذا رفع مائدته" قد ذكره في الباب بلفظ: "إذا فرغ من طعامه" وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن ثور بلفظ: "إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته" فجمع اللفظين، ومن وجه آخر عن ثور بلفظ: "إذا رفع طعامه من بين يديه" ووقع في رواية عامر بن جشيب بسنده عن أبي أمامة "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول عند فراغي من الطعام ورفع المائدة" الحديث، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط، وقد فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام، وأن بعضهم أجاب أن أنسا ما رأى ذلك ورواه غيره، والمثبت مقدم على النافي، أو المراد بالخوان صفة مخصوصة، والمائدة تطل على كل ما يوضع عليه الطعام لأنها إما من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم، ولا يختص ذلك بصفة مخصوصة، وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه، وقد نقل عن البخاري أنه قال: إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المائدة. قوله: "الحمد لله كثيرا" في رواية الوليد عن ثور عند ابن ماجه: "الحمد لله حمدا كثيرا". قوله: "غير مكفي" بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية، قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء، فالمعنى: غير مردود عليه إنعامه. ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفي رزق عباده، لأنه يكفيهم أحد غيره. وقال ابن التين: أي غير محتاج إلى أحد، لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم، وهذا قول الخطابي. وقال القزاز:. معناه أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته. وقال الداودي: معناه لم أكتف من فضل الله ونعمته. وقال ابن التين: وقول الخطابي أولى لأن مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر، وهذا كله على أن الضمير لله، ويحتمل أن يكون الضمير للحمد. وقال إبراهيم الحربي: الضمير للطعام، ومكفي بمعنى
(9/580)

مقلوب من الإكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الإناء للاستغناء عنه. وذكر ابن الجوزي عن أبي منصور الجواليقي أن الصواب غير مكافأ بالهمزة، أي أن نعمة الله لا تكافأ. قلت: وثبتت هذه اللفظة هكذا في حديث أبي هريرة، لكن الذي في حديث الباب غير مكفي بالياء، ولكل معنى. قوله: "كفانا وأروانا" هذا يؤيد الضمير إلى الله تعالى لأنه تعالى هو الكافي لا المكفي، وكفانا هو من الكفاية، وهي أعم من الشبع والري وغيرهما، فأروانا على هذا من الخاص بعد العام. ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري "وأوانا" بالمد من الإيواء. ووقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين" ولأبي داود والترمذي من حديث أبي أيوب "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا" وأخرج النسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة ما في حديث أبي سعيد وأبي أمامة وزيادة في حديث مطول، وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن جبير المصري أنه حدثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه "كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعامه يقول: بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت" وسنده صحيح. قوله: "ولا مكفور" أي مجحود فضله ونعمته، وهذا مما يقوى أن الضمير لله تعالى. قوله: "ولا مودع" بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك، ويحتمل كسرها على أنه حال من القائل أي غير تارك. قوله: "ولا مستغنى عنه" بفتح النون وبالتنوين. قوله: "ربنا" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو ربنا، أو على أنه مبتدأ خبره متقدم، ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعنى، قال ابن التين ويجوز الجر على أنه يدل على الضمير في عنه. وقال غيره على البدل من الاسم في قوله: "الحمد لله" وقال ابن الجوزي "ربنا" بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء. قال الكرماني: بحسب رفع غير أي ونصبه ورفع ربنا ونصبه، والاختلاف في مرجع الضمير يكثر التوجيهات في هذا الحديث.
(9/581)