- باب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ
 
5541- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُضْرَبَ" تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ وَقَالَ تُضْرَبُ الصُّورَةُ"
5542- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً حَسِبْتُهُ قَالَ فِي آذَانِهَا"
قوله: "باب العلم" بفتحتين "والوسم" بفتح أوله وسكون المهملة، وفي بعض النسخ بالمعجمة فقيل هو بمعنى الذي بالمهملة وقيل بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد، فعلى هذا فالصواب هنا بالمهملة لقوله في الصورة، والمراد بالوسم أن يعلم الشيء بشيء يؤثر فيه تأثيرا بالغا، وأصله أن يجعل في البهيمة علامة ليميزها عن غيرها. قوله: "عن حنظلة" هو ابن أبي سفيان الجمحي، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر. قوله: "أن تعلم" بضم أوله أي تجعل فيها
(9/670)

علامة. قوله: "الصورة" في رواية الكشميهني في الموضعين "الصور" بفتح الواو بلا هاء جمع صورة والمراد بالصورة الوجه. قوله: "وقال ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب" هو موصول بالسند المذكور، بدأ بالموقوف وثنى بالمرفوع مستدلا به على ما ذكر من الكراهة، لأنه إذا ثبت النهي عن الضرب كان منع الوسم أولى، ويحتمل أن يكون أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث جابر "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه" وفي لفظ له "مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجه فقال: لعن الله من وسمه". قوله: "تابعه قتيبة قال حدثنا العنقزي" بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبعد القاف زاي، منسوب إلى العنقز وهو نبت طيب الريح، ويقال هو المرزنجوش بفتح الميم وسكون الراء ثم فتح الزاي وسكون النون بعدها جيم مضمومة وآخره معجمة، وهذا تفسير للشيء بمثله في الخفاء، والمرزنجوش هو الشمار أو الشذاب، وقيل العنقز الريحان، وقيل القصب الغض، واسم العنقزي عمرو بن محمد الكوفي وثقه أحمد والنسائي وغيرهما. وقال ابن حبان في الثقات كان يبيع العنقز. وهذه المتابعة لها حكم الوصل عند ابن الصلاح لأن قتيبة من شيوخ البخاري، وإنما ذكرها لزيادة المحذوف في رواية عبيد الله بن موسى حيث قال: "أن تضرب" فإن الضمير في روايته للصورة لكونها ذكرت أولا وأفصح العنقزي في روايته بذلك، وقوله عن حنظلة يريد بالسند المذكور وهو عن سالم عن أبيه، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث من طريق بشر بن السري ومحمد بن عدي فرقهما كلاهما عن حنظلة بالسند المذكور واللفظ المذكور، لكن لفظ رواية بشر بن السري "عن الصورة تضرب" وأخرجه من طريق وكيع عن حنظلة بلفظ: "أن تضرب وجوه البهائم" ومن وجه آخر عنه "أن تضرب الصورة" يعني الوجه، وأخرجه أيضا من طريق محمد بن بكر يعني البرساني وإسحاق بن سليمان الرازي كلاهما عن حنظلة قال: "سمعت" سالما يسأل عن العلم في الصورة فقال: كان ابن عمر يكره أن تعلم الصورة "وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تضرب الصورة" يعني بالصورة الوجه. قال الإسماعيلي المسند منه على اضطراب فيه ضرب الصورة، وأما العلم فإنه من قول ابن عمر وكان المعنى فيه الكي، قلت وهذه الرواية الأخيرة هي المطابقة للفظ الترجمة، وعطفه الوسم عليها إما عطف تفسيري وإما من عطف الأعم على الأخص. وأشار الإسماعيلي بالاضطراب إلى الرواية الأخيرة حيث قال فيها "وبلغنا" فإن الظاهر أنه من قول سالم فيكون مرسلا بخلاف الروايات الأخرى أنها ظاهرة الاتصال لكن اجتماع العدد الكثير أولى من تقصير من قصر به والحكم لهم. ومثل هذا لا يسمى اضطرابا في الاصطلاح لأن شرط الاضطراب أن يتعذر الترجيح بعد تعذر الجمع وليس الأمر هنا كذلك. وجاء في ذكر الوسم في الوجه صريحا حديث جابر قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله من فعل هذا. لا يسم أحد الوجه ولا يضرب أحد الوجه" أخرجه عبد الرزاق ومسلم والترمذي. وهو شاهد جيد لحديث ابن عمر. وتقدم البحث في ضرب وجه الآدمي في كتاب الجهاد في الكلام على حديث أبي هريرة، وتقدم قبل أبواب النهي عن صبر البهيمة وعن المثلة. قوله: "عن هشام بن زيد" أي ابن أنس ابن مالك. قوله: "عن أنس" هو جده. قوله: "بأخ لي يحنكه" هو أخوه من أمه وهو عبد الله بن أبي طلحة، وسيأتي مطولا في اللباس من وجه آخر. قوله: "في مربد" بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة بعدها مهملة مكان الإبل وكأن الغنم أدخلت فيه مع الإبل. قوله: "وهو يسم شاة" في رواية الكشميهني: "شاء" بالهمز وهو جمع شاة مثل شياه، وسيأتي في الرواية التي في اللباس بلفظ: "وهو يسم الظهر الذي قدم عليه" وفيه ما يدل على أن
(9/671)

ذلك بعد رجوعهم من غزوة الفتح وحنين، والمراد بالظهر الإبل، وكأنه كان يسم الإبل والغنم فصادف أول دخول أنس وهو يسم شاة، ورآه يسم غير ذلك، وقد تقدم في العقيقة بيان شيء من هذا. قوله: "حسبته" القائل شعبة، والضمير لهشام بن زيد وقع مبينا في رواية مسلم. قوله: "في آذانها" هذا محل الترجمة وهو العدول عن الوسم في الوجه إلى الوسم في الأذن، فيستفاد منه أن الأذن ليست من الوجه، وفيه حجة للجمهور في جواز وسم البهائم بالكي، وخالف فيه الحنفية تمسكا بعموم النهي عن التعذيب بالنار، ومنهم من ادعى بنسخ وسم البهائم وجعله الجمهور مخصوصا من عموم النهي. والله أعلم.
(9/672)