بَاب الِانْتِبَاذِ فِي الأَوْعِيَةِ وَالتَّوْرِ
 
5591- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلاً يَقُولُ: "أَتَى أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ فَكَانَتْ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ".
قوله: "باب الانتباذ في الأوعية والتور" هو من عطف الخاص على العام، لأن التور من جملة الأوعية، وهو بفتح المثناة إناء من حجارة أو من نحاس أو من خشب، ويقال: لا يقال له تور إلا إذا كان صغيرا، وقيل هو قدح كبير كالقدر، وقيل مثل الطست، وقيل كالإجانة، وهي بكسر الهمزة وتشديد الجيم وبعد الألف نون: وعاء. قوله: "أتى أبو أسيد الساعدي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه" تقدم في الوليمة من هذا الوجه بلفظ: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه" ومن وجه آخر عن أبي حازم "دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه". قوله: "قال أتدرون" القائل هو سهل و"ما سقت" بفتح القاف وسكون المثناة. وفي رواية الكشميهني: "قالت وسقيت" بسكون التحتانية بعد القاف وفي آخره مثناة، وكذا الخلاف في أنقعت ونقعت وأنقع بالهمزة لغة، وفيه لغة أخرى نقعت بغير ألف، وتقدم في الوليمة بلفظ: "بلت تمرات". قوله: "في تور" زاد في الوليمة "من حجارة" وإنما قيده لأنه قد يكون من غيرها كما تقدم. وفي رواية أشعث عن أبي الزبير عن جابر "كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبذ له في سقاء، فإذا لم يكن سقاء ينبذ له في تور" قال أشعث: والتور من لحاء الشجر، أخرجه ابن أبي شيبة. وعبر المصنف في الترجمة بالانتباذ إشارة إلى أن النقيع يسمى نبيذا، فيحمل ما ورد في الأخبار بلفظ النبيذ على النقيع، وقد ترجم له بعد قليل "باب نقيع التمر ما لم يسكر" قال المهلب: النقيع حلال ما لم يشتد فإذا اشتد وغلى حرم. وشرط الحنفية أن يقذف بالزبد، قال: وإذا نقع من الليل وشرب النهار أو بالعكس لم يشتد، وفيه حديث عائشة، يشير إلى ما أخرجه مسلم عن عائشة "كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء توكي أعلاه فيشربه عشاء، وتنبذه عشاء فيشربه غدوة" وعند أبي داود من وجه آخر عن عائشة أنها "كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشي تعشى فشرب على عشائه، فإن فضل شيء صبته ثم تنبذ له بالليل، فإذا أصبح وتغدى شرب على غدائه، قالت نغسل السقاء غدوة وعشية" وفي حديث عبد الله
(10/56)

ابن الديلمي عن أبيه "قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه على عشائكم، واشربوه على غدائكم" أخرجه أبو داود والنسائي. فهذه الأحاديث فيها التقييد باليوم والليلة. وأما ما أخرج مسلم من حديث ابن عباس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب من الليل في السقاء، فإذا أصبح شربه يومه وليلته ومن الغد، فإذا كان مساء شربه أو سقاه الخدم، فإن فضل شيء أراقه" وقال ابن المنذر: الشراب في المدة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا، وأما الصفة التي ذكرها ابن عباس فقد ينتهي إلى الشدة والغليان، لكن يحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنه لم يبلغ ذلك ولكن قرب منه، لأنه لو بلغ ذلك لأسكر ولو أسكر لحرم تناوله مطلقا انتهى. وقد تمسك بهذا الحديث من قال بجواز شرب قليل ما أسكر كثيره، ولا حجة فيه لأنه ثبت أنه بدا فيه بعض تغير في طعمه من حمض أو نحوه فسقاه الخدم، وإلى هذا أشار أبو داود فقال بعد أن أخرجه: قوله: "سقاه الخدم" يريد أنه تبادر به الفساد. انتهى، ويحتمل أن يكون "أو" في الخبر للتنويع لأنه قال: "سقاه الخدم أو أمر به فأهرق" أي إن كان بدا في طعمه بعض التغير ولم يشتد سقاه الخدم، وإن كان اشتد أمر بإهراقه، وبهذا جزم النووي فقال: هو اختلاف على حالين إن ظهر فيه شدة صبه وإن لم تظهر شدة سقاه الخدم لئلا تكون فيه إضاعة مال، وإنما يتركه هو تنزها. وجمع بين حديث ابن عباس وعائشة بأن شرب النقيع في يومه لا يمنع شرب النقيع في أكثر من يوم، ويحتمل أن يكون باختلاف حال أو زمان يحمل الذي يشرب في يومه على ما إذا كان قليلا وذاك على ما إذا كان كثيرا فيفضل منه ما يشربه فيما بعد، وإما بأن يكون في شدة الحر مثلا فيسارع إليه الفساد، وذاك في شدة برد فلا يتسارع إليه.
(10/57)