بَاب آنِيَةِ الْفِضَّةِ
 
5633- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ" .
5634- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" .
5635- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنْ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ أَوْ قَالَ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَالْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ" .
قوله: "باب آنية الفضة" ذكر فيه ثلاثة أحاديث: الأول: حديث حذيفة. قوله: "خرجنا مع حذيفة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم" كذا ذكره مختصرا، وقد أخرجه أحمد عن ابن أبي عدي الذي أخرجه البخاري من طريقه، وأخرجه الإسماعيلي وأصله في مسلم من طريق معاذ بن معاذ وكلاهما عن عبد الله بن عون بلفظ: "خرجت مع حذيفة إلى بعض هذا السواد، فاستسقى، فأتاه الدهقان بإناء من فضة، فرمى به في وجهه، قال فقلنا: اسكتوا، فإنا إن سألناه لم يحدثنا، قال فسكتنا. فلما كان بعد ذلك قال: أتدرون لم رميت بهذا في وجهه؟ قلنا: لا. قال: ذلك أني كنت نهيته. قال فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة" قال أحمد: وفي رواية معاذ "ولا في الفضة". قوله: "إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "عن زيد بن عبد الله بن عمر" هو تابعي ثقة، تقدمت روايته عن أبيه في إسلام عمر، وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين. وهذا الإسناد كله مدنيون، وقد تابع مالكا عن نافع عليه موسى بن عقبة وأيوب وغيرهما وذلك عند مسلم، وخالفهم إسماعيل بن أمية عن نافع فلم يذكر زيدا في إسناده، جعله عن نافع عن عبد الله بن عبد الرحمن، أخرجه النسائي، والحكم لمن زاد من الثقات، ولا سيما وهم حفاظ وقد اجتمعوا وانفرد إسماعيل. وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة، ووافقه سعد بن إبراهيم عن نافع في صفية لكن خالفه فقال عن عائشة بدل أم سلمة، وقول محمد بن إسحاق أقرب، فإن كان محفوظا فلعل لنافع فيه إسنادين، وشذ عبد العزيز بن أبي رواد فقال: "عن نافع عن أبي هريرة" وسلك برد بن سنان وهشام بن الغاز الجادة فقالا عن نافع عن ابن عمر أخرج الجميع النسائي وقال:
(10/96)

الصواب من ذلك كله رواية أيوب ومن تابعه. قوله: "عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق" هو ابن أخت أم سلمة التي روى عنها هذا الحديث، أمه قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وهو ثقة ما له في البخاري غير هذا الحديث. قوله: "الذي يشرب في آنية الفضة" في رواية مسلم من طريق عثمان بن مرة عن عبد الله بن عبد الرحمن "من شرب من إناء ذهب أو فضة" وله من رواية علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع "إن الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة" وأشار مسلم إلى تفرد علي بن مسهر بهذه اللفظة، أعني الأكل. قوله: "إنما يجرجر" بضم التحتانية وفتح الجيم وسكون الراء ثم جيم مكسورة ثم راء من الجرجرة وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج نحو صوت اللجام في فك الفرس، قال النووي: اتفقوا على كسر الجيم الثانية من يجرجر، وتعقب بأن الموفق بن حمزة في كلامه على المذهب حكى فتحها، وحكى ابن الفركاح عن والده أنه قال: روي يجرجر على البناء للفاعل والمفعول، وكذا جوزه ابن مالك في "شواهد التوضيح" نعم رد ذلك ابن أبي الفتح تلميذه فقال في جزء جمعه في الكلام على هذا المتن: لقد كثر بحثي على أن أرى أحدا رواه مبنيا للمفعول فلم أجده عند أحد من حفاظ الحديث، وإنما سمعناه من الفقهاء الذين ليست لهم عناية بالرواية، وسألت أبا الحسين اليونيني فقال: ما قرأته على والدي ولا على شيخنا المنذر إلا مبنيا للفاعل. قال: ويبعد اتفاق الحفاظ قديما وحديثا على ترك رواية ثابتة. قال: وأيضا فإسناده إلى الفاعل هو الأصل وإسناده إلى المفعول فرع فلا يصار إليه بغير حاجة، وأيضا فإن علماء العربية قالوا: يحذف الفاعل إما للعلم به أو للجهل به، أو إذا تخوف منه أو عليه، أو لشرفه أو لحقارته، أو لإقامة وزن، وليس هنا شيء من ذلك. قوله: "في بطنه نار جهنم" وقع للأكثر بنصب نار على أن الجرجرة بمعنى الصب أو التجرع فيكون "نار" نصب على المفعولية والفاعل الشارب أي يصب أو يتجرع، وجاء الرفع على أن الجرجرة هي التي تصوت في البطن، قال النووي: النصب أشهر، ويؤيده رواية عثمان بن مرة عند مسلم بلفظ: "فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم" وأجاز الأزهري النصب على أن الفعل عدي إليه، وابن السيد الرفع على أنه خبر إن وما موصولة، قال: ومن نصب جعل "ما" زائدة كافة لأن عن العمل، وهو نحو {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} فقرئ بنصب كيد ورفعه، ويدفعه أنه لم يقع في شيء من النسخ بفصل ما من إن. وقوله: إن النار تصوت في بطنه كما يصوت البعير بالجرجرة مجاز تشبيه، لأن النار لا صوت لها، كذا قيل. وفي النفي نظر لا يخفى. حديث البراء "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع". قوله: "وعن الشرب في الفضة أو قال في آنية الفضة" شك من الراوي. زاد مسلم من طريق أخرى عن البراء "فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" ومثله في حديث أبي هريرة رفعه: "من شرب في آنية الفضة والذهب في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة، وآنية أهل الجنة الذهب والفضة" أخرجه النسائي بسند قوي، وسيأتي شرح حديث البراء مستوفى في كتاب الأدب، ويأتي ما يتعلق باللباس منه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. وفي هذه الأحاديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلا كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحلي للنساء لأنه ليس من التزين الذي أبيح لها في شيء، قال القرطبي وغيره: في الحديث تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والتكحل وسائر وجوه الاستعمالات، وبهذا قال الجمهور، وأغربت طائفة شذت فأباحت ذلك مطلقا، ومنهم من قصر التحريم على الأكل والشرب، ومنهم من قصره على الشرب لأنه لم يقف على الزيادة في
(10/97)

الأكل، قال: واختلف في علة المنع فقيل: إن ذلك يرجع إلى عينهما، ويؤيده قوله هي لهم وإنها لهم، وقيل: لكونهما الأثمان وقيم المتلفات، فلو أبيح استعمالها لجاز اتخاذ الآلات منهما فيفضي إلى قلتهما بأيدي الناس فيجحف بهم، ومثله الغزالي بالحكام الذين وظيفتهم التصرف لإظهار العدل بين الناس، فلو منعوا التصرف لأخل ذلك بالعدل، فكذا في اتخاذ الأواني من النقدين حبس لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس. ويرد على هذا جواز الحلي للنساء من النقدين، ويمكن الانفصال عنه. وهذه العلة هي الراجحة عند الشافعية، وبه صرح أبو علي السنجي وأبو محمد الجويني. وقيل: علة التحريم السرف والخيلاء، أو كسر قلوب الفقراء. ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وعاليها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذ. وقد نقل ابن الصباغ في "الشامل" الإجماع على الجواز، وتبعه الرافعي ومن بعده. لكن في "زوائد العمراني" عن صاحب "الفروع" نقل وجهين. وقيل: العلة في المنع التشبه بالأعاجم، وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك. واختلف في اتخاذ الأواني دون استعمالها كما تقدم، والأشهر المنع وهو قول الجمهور، ورخصت فيه طائفة، وهو مبني على العلة في منع الاستعمال، ويتفرع على ذلك غرامة أرش ما أفسد منها وجواز الاستئجار عليها.
(10/98)