بَاب وُجُوبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ
 
5649- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ" .
5650- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَعَنْ الْقَسِّيِّ وَالْمِيثَرَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَتْبَعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرِيضَ وَنُفْشِيَ السَّلاَمَ" .
قوله: "باب وجوب عيادة المريض" كذا جزم بالوجوب عل ظاهر الأمر بالعيادة، وتقدم حديث أبي هريرة في الجنائز "حق المسلم على المسلم خمس" فذكر منها عيادة المريض، ووقع في رواية مسلم: " خمس تجب للمسلم على المسلم" فذكرها منها. قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير، ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة، وجزم الداودي بالأول فقال: هي فرض يحمله
(10/112)

بعض الناس عن بعض. وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض. وعن الطبري: تتأكد في حق من ترجى بركته، وتسن فيمن يراعى حاله، وتباح فيما عدا ذلك، وفي الكافر خلاف كما سيأتي ذكره في باب مفرد. ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب، يعني على الأعيان. وقد تقدم حديث أبي موسى المذكور هنا في الجهاد وفي الوليمة. واستدل بعموم قوله: "عودوا المريض" على مشروعية العيادة في كل مريض، لكن استثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو، وهذا الأمر خارجي قد يأتي مثله في بقية الأمراض كالمغمى عليه، وقد عقبه المصنف به. وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني"، أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وهو عند البخاري في "الأدب المفرد" وسياقه أتم. وأما ما أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعا: "ثلاثة ليس لهم عيادة: العين والدمل والضرس" فصحح البيهقي أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير، ويؤخذ من إطلاقه أيضا عدم التقييد بزمان يمضي من ابتداء مرضه وهو قول الجمهور، وجزم الغزالي في "الإحياء" بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث، واستند إلى حديث أخرجه ابن ماجه عن أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث" وهذا حديث ضعيف جدا تفرد به مسلمة بن علي وهو متروك، وقد سئل عنه أبو حاتم فقال: هو حديث باطل، ووجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة عند الطبراني في "الأوسط" وفيه راو متروك أيضا. ويلتحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به، وربما كان ذلك في العادة سببا لوجود نشاطه وانتعاش قوته. وفي إطلاق الحديث أن العيادة لا تتقيد بوقت دون وقت، لكن جرت العادة بها في طرفي النهار، وترجمة البخاري في الأدب المفرد "العيادة في الليل"، وساق عن خالد بن الربيع قال: "لما ثقل حذيفة أتوه في جوف الليل أو عند الصبح فقال: أي ساعة هذه؟ فأخبروه، فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار" الحديث، ونقل الأثرم عن أحمد أنه قيل له بعد ارتفاع النهار في الصيف: تعود فلانا؟ قال: ليس هذا وقت عيادة. ونقل ابن الصلاح عن الفراوي أن العيادة تستحب في الشتاء ليلا وفي الصيف نهارا، وهو غريب. ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض أو يشق على أهله. فإن اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس كما في حديث جابر الذي بعده. وقد ورد في فضل العيادة أحاديث كثيرة جياد، منها عند مسلم والترمذي من حديث ثوبان "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة" وخرفة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء هي الثمرة إذا نضجت، شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر. وقيل: المراد بها هنا الطريق، والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة، والتفسير الأول أولى، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" من هذا الوجه وفيه: "قلت لأبي قلابة: ما خرفة الجنة؟ قال: جناها" وهو عند مسلم من جملة المرفوع. وأخرج البخاري أيضا من طريق عمر بن الحكم عن جابر رفعه: "من عاد مريضا خاض في الرحمة حتى إذا قعد استقر فيها" وأخرجه أحمد والبزار وصححه ابن حبان والحاكم من هذا الوجه وألفاظهم فيه مختلفة، ولأحمد نحوه من حديث كعب بن مالك بسند حسن. حديث البراء أورده مختصرا مقتصرا على بعض الخصال السبع، ويأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.
(10/113)