بَاب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ
 
5653- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ" . يُرِيدُ عَيْنَيْه. تَابَعَهُ أَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ وَأَبُو ظِلاَلِ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: "باب فضل من ذهب بصره" سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي، وقد جاء بلفظ الترجمة حديث أخرجه البزار عن زيد بن أرقم بلفظ: "ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره، ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تعالى ولا حساب عليه" وأصله عند أحمد بغير لفظه بسند جيد، وللطبراني من حديث ابن عمر بلفظ: "من أذهب الله بصره" فذكر نحوه. قوله: "حدثني ابن الهاد" في رواية المصنف في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح عن الليث "حدثني يزيد بن الهاد" وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة. قوله: "عن عمرو" أي ابن أبي عمرو ميسرة "مولى المطلب" أي ابن عبد الله بن حنطب. قوله: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه" بالتثنية، وقد فسرهما آخر الحديث بقوله: "يريد عينيه" ولم يصرح بالذي فسرهما، والمراد بالحبيبتين المحبوبتان لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به، أو شر فيجتنبه. قوله: "فصبر" زاد الترمذي في روايته عن أنس "واحتسب" وكذا لابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة، ولابن حبان من حديث ابن عباس أيضا، والمراد أنه يصبر مستحضرا ما وعد الله به الصابر من الثواب، لا أن يصبر مجردا عن ذلك، لأن الأعمال بالنيات، وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان "أن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا، وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل" أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" موقوفا. قوله: "عوضته منهما الجنة" وهذا أعظم العوض، لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها، وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور. ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بلفظ: "إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت" فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أول وقوع البلاء فيفوض ويسلم، وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود، وقد مضى حديث أنس في الجنائز " إنما الصبر عند الصدمة الأولى" وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه: "إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما" ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق، وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات. قوله: "تابعه أشعث بن جابر وأبو ظلال بن هلال عن أنس" أما متابعة أشعث بن جابر وهو ابن عبد الله بن جابر نسب إلى جده وهو أبو عبد الله الأعمى البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين، وحدان بطن من الأزد، ولهذا يقال له الأزدي، وهو الحملي بضم المهملة وسكون الميم وهو مختلف فيه. وقال الدار قطني: يعتد به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع فأخرجها أحمد بلفظ: "قال ربكم من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة" . وأما متابعة أبي ظلال فأخرجها عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عنه قال: "دخلت على أنس فقال
(10/116)

لي: أدنه، متى ذهب بصرك؟ قلت: وأنا صغير. قال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى" فذكر الحديث بلفظ: "ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة" وأخرج الترمذي من وجه آخر عن أبي ظلال بلفظ: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة". "تنبيه": أبو ظلال بكسر الظاء المشالة المعجمة والتخفيف اسمه هلال، والذي وقع في الأصل أبو ظلال بن هلال صوابه إما أبو ظلال هلال بحذف "ابن" وإما أبو ظلال بن أبي هلال بزيادة "أبي" واختلف في اسم أبيه فقيل ميمون وقيل سويد وقيل يزيد وقيل زيد، وهو ضعيف عند الجميع، إلا أن البخاري قال إنه مقارب الحديث، وليس له في صحيحه غير هذه المتابعة. وذكر المزي في ترجمته أن ابن حبان ذكره في الثقات، وليس بجيد، لأن ابن حبان ذكره في الضعفاء فقال: لا يجوز الاحتجاج به، وإنما ذكر في الثقات هلال بن أبي هلال آخر روى عنه يحيى بن المتوكل، وقد فرق البخاري بينهما، ولهم شيخ ثالث يقال له هلال بن أبي هلال تابعي أيضا روى عنه ابنه محمد، وهو أصلح حالا في الحديث منهما، والله أعلم.
(10/117)