بَاب تَمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ
 
5671- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي" .
[الحديث 5671 – طرفاه في: 6351، 7233]
5672- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمْ الدُّنْيَا وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ التُّرَابَ وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يَبْنِي حَائِطاً لَهُ فَقَالَ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ".
[الحديث 5672 – أطرافه في: 6349، 6350، 6430، 6431، 7234]
5673- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لاَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْراً وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ" .
5674- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأعلى" .
(10/127)

قوله: "باب تمني المريض الموت" أي هل يمنع مطلقا أو يجوز في حالة؟ ووقع في رواية الكشميهني نهي تمني المريض الموت، وكأن المراد منع تمني المريض. وذكر في الباب خمسة أحاديث: الحديث الأول: عن أنس. قوله: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه" الخطاب للصحابة، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما، وقوله: "من ضر أصابه" حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي، فإن وجد الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا" على أن "في" في هذا الحديث سببية، أي بسبب أمر من الدنيا، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة: ففي "الموطأ" عن عمر أنه قال: "اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط"، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر. وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس ويقال عابس الغفاري أنه قال: "يا طاعون خذني. فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت؟" فقال: إني سمعته يقول: " بادروا بالموت ستا، إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم" الحديث. وأخرج أحمد أيضا من حديث عوف بن مالك نحو وأنه "قيل له: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عمر المسلم كان خيرا له" الحديث، وفيه الجواب نحوه، وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه: "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" . قوله: " فإن كان لا بد فاعلا " في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في الدعوات "فإن كان ولا بد متمنيا للموت". قوله: "فليقل الخ" وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء، وقوله: "فإن كان الخ" فيه ما يصرف الأمر عن حقيقته من الوجوب أو الاستحباب، ويدل على أنه لمطلق الإذن لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته. وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب السنن من حديث المقدام بن معد يكرب " حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث للطعام" الحديث، أي إذا كان لا بد من الزيادة على اللقيمات فليقتصر على الثلث، فهو إذن بالاقتصار على الثلث، لا أمر يقتضي الوجوب ولا الاستحباب. قوله: " ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت" عبر في الحياة بقوله: "ما كانت" لأنها حاصلة، فحسن أن يأتي بالصيغة المقتضية للاتصاف بالحياة، ولما كانت الوفاة لم تقع بعد حسن أن يأتي بصيغة الشرط. والظاهر أن هذا التفصيل ما إذا كان الضر دينيا أو دنيويا، وسيأتي في التمني من رواية النضر بن أنس عن أبيه "لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تمنوا الموت لتمنيته" فلعله رأى أن التفصيل المذكور ليس من التمني المنهي عنه. الحديث الثاني: حديث خباب. قوله: "عن إسماعيل بن أبي خالد" لشعبة فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي من رواية غندر عنه عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: "دخلت على خباب" فذكر الحديث نحوه. قوله: "وقد اكتوى سبع كيات" في رواية حارثة "وقد اكتوى في بطنه فقال: ما أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت" أي من الوجع الذي أصابه، وحكى شيخنا في "شرح الترمذي" احتمال أن يكون أراد بالبلاء ما فتح عليه من المال بعد أن كان لا يجد درهما، كما وقع صريحا في رواية حارثة المذكورة عنه قال: "لقد كنت وما أجد درهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ناحية بيتي أربعون ألفا" يعني الآن، وتعقبه بأن غيره من الصحابة كان أكثر مالا منه كعبد الرحمن بن عوف، واحتمال أن يكون أراد ما لقي من التعذيب في أول الإسلام من
(10/128)

المشركين، وكأنه رأى أن اتساع الدنيا عليه يكون ثواب ذلك التعذيب، وكان يحب أن لو بقي له أجره موفرا في الآخرة، قال: ويحتمل أن يكون أراد ما فعل من الكي مع ورود النهي عنه، كما قال عمران بن حصين "نهينا عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا" أخرجه(1) قال: وهذا بعيد. قلت: وكذلك الذي قبله، وسيأتي الكلام على حكم الكي قريبا في كتاب الطب إن شاء الله تعالى. قوله: "إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا" زاد في الرقاق من طريق يحيي القطان عن إسماعيل بن أبي خالد "شيئا" أي لم تنقص أجورهم، بمعنى أنهم لم يتعجلوها في الدنيا بل بقيت موفرة لهم في الآخرة، وكأنه عنى بأصحابه بعض الصحابة ممن مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأما من عاش بعده فإنهم اتسعت لهم الفتوح. ويؤيده حديثه الآخر "هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير" وقد مضى في الجنائز وفي المغازي أيضا، ويحتمل أن يكون عني جميع من مات قبله، وأن من اتسعت له الدنيا لم تؤثر فيه إما لكثرة إخراجهم المال في وجوه البر، وكان من يحتاج إليه إذ ذاك كثيرا فكانت تقع لهم الموقع، ثم لما اتسع الحال جدا وشمل العدل في زمن الخلفاء الراشدين استغني الناس بحيث صار الغني لا يجد محتاجا يضع بره فيه، ولهذا قال خباب: "وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب" أي الإنفاق في البنيان. وأغرب الداودي فقال: أراد خباب بهذا القول الموت أي لا يجد للمال الذي أصابه إلا وضعه في القبر، حكاه ابن التين ورده فأصاب. وقال: بل هو عبارة عما أصابوا من المال قلت: وقد وقع لأحمد عن يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد في هذا الحديث بعد قوله إلا التراب "وكان يبني حائطا له" ويأتي في الرقاق نحوه باختصار، وأخرجه أحمد أيضا عن وكيع عن إسماعيل وأوله "دخلنا على خباب نعوده وهو يبني حائطا له وقد اكتوى سبعا" الحديث. قوله: "ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به" الدعاء بالموت أخص من تمني الموت، وكل دعاء تمني من غير عكس، فلذلك أدخله في هذه الترجمة. قوله: "ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له" هكذا وقع في رواية شعبة تكرار المجيء، وهو أحفظ الجميع فزيادته مقبولة، والذي يظهر أن قصة بناء الحائط كانت سبب قوله أيضا: "وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعا إلا التراب". قوله: "إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب" أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة، وسيأتي تقرير ذلك في آخر كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى. "تنبيه" هكذا وقع من هذا الوجه موقوفا، وقد أخرجه الطبراني من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد "حدثنا أبي عن بيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد جميعا عن قيس عن أبي حازم قال: دخلنا على خباب نعوده" فذكر الحديث، وفيه: "وهو يعالج حائطا له فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في التراب" وعمر كذبه يحيى بن معين. قوله: "أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف" هو أبو عبيد مولى ابن أزهر واسمه سعيد بن عبيد، وابن أزهر الذي نسب إليه هو عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري؛ هكذا اتفق هؤلاء عن الزهري في روايته عن أبي عبيد، وخالفهم إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال: "عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة" أخرجه النسائي وقال: رواية الزبيدي أولى
ـــــــ
(1) بياض بالأصل
(10/129)

بالصواب، وإبراهيم بن سعد ثقة، يعني ولكنه أخطأ في هذا. قوله: "لن يدخل أحدا عمله الجنة" الحديث يأتي الكلام عليه في كتاب الرقاق، فإنه أورده مفردا من وجه آخر عن أبي هريرة وغيره، وإنما أخرجه هنا استطرادا لا قصدا، والمقصود منه الحديث الذي بعده وهو قوله: "ولا يتمنى الخ" وقد أفرده في كتاب التمني من طريق معمر عن الزهري، وكذا أخرجه النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري. قوله: "ولا يتمني" كذا للأكثر بإثبات التحتانية، وهو لفظ نفي بمعني النهي. ووقع في رواية الكشميهني: "لا يتمن" على لفظ النهي، ووقع في رواية معمر الآتية في التمني بلفظ: "لا يتمنى" للأكثر وبلفظ: "لا يتمنين" للكشميهني، وكذا هو في رواية همام عن أبي هريرة بزيادة نون التأكيد، وزاد بعد قوله أحدكم الموت "ولا يدع به من قبل أن يأتيه" وهو قيد في الصورتين، ومفهومه أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك، ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى" إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره ما كان أكثر استحضاره وإيثاره للأخفى على الأجلى شحذا للأذهان. وقد خفي صنيعه هذا على من جعل حديث عائشة في الباب معارضا لأحاديث الباب أو ناسخا لها، وقوي ذلك بقول يوسف عليه السلام {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} قال ابن التين: قيل إن النهى منسوخ بقول يوسف فذكره، وبقول سليمان "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" وبحديث عائشة في الباب، وبدعاء عمر بالموت وغيره. قال وليس الأمر كذلك لأن هؤلاء إنما سألوا ما قارب الموت. قلت: وقد اختلف في مراد يوسف عليه السلام، فقال قتادة: لم يتمني الموت أحد إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله، أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه. وقال غيره: بل مراده توفني مسلما عند حضور أجلي، كذا أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان عليه السلام. وعلى تقدير الحمل على ما قال قتادة فهو ليس من شرعنا، وإنما يؤخذ بشرع من قبلنا ما لم يرد في شرعنا النهي عنه بالاتفاق، وقد استشكل الإذن في ذلك عند نزول الموت لأن نزول الموت لا يتحقق، فكم من انتهى إلى غاية جرت العادة بموت من يصل إليها ثم عاش. والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد أن العبد يكون حاله في ذلك الوقت حال من يتمني نزوله به ويرضاه أن لو وقع به، والمعني أن يطمئن قلبه إلى ما يرد عليه من ربه ويرضى به ولا يقلق، ولو لم يتفق أنه يموت في ذلك المرض. قول "إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" أي يرجع عن موجب العتب عليه. ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد "وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبب منها العمل، والعمل يحصل زيادة الثواب، ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال. ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان لأن ذلك نادر، والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك - وقد وقع لكن نادرا - فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر، فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه. ويؤيده حديث أبي أمامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك" أخرجه بسند لين، ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم: "وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " واستشكل بأنه قد يعمل السيئات فيزيده عمره شرا، وأجيب بأجوبة: أحدها حمل المؤمن
(10/130)

على الكامل وفيه بعد، والثاني أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه إما من اجتناب الكبائر وإما من فعل حسنات أخر تقاوم سيئاته، وما دام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف، والسيئات بصدد التكفير. والثالث يقيد ما أطلق في هذه الرواية بما وقع في رواية الباب من الترجي حيث جاء بقوله: "لعله" والترجي مشعر بالوقوع غالبا لا جزما، فخرج الخبر مخرج تحسين الظن بالله، وأن المحسن يرجو من الله الزيادة بأن يوفقه للزيادة من عمله الصالح، وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله ولا قطع رجائه، أشار إلى ذلك شيخنا في "شرح الترمذي". ويدل على أن قصر العمر قد يكون خيرا للمؤمن حديث أنس الذي في أول الباب: "وتوفني إذا كان الوفاة خيرا لي" وهو لا ينافي حديث أبي هريرة "أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا" إذا حمل حديث أبي هريرة على الأغلب ومقابله على النادر، وسيأتي الإلمام بشيء من هذا في كتاب التمني إن شاء الله تعالى. حديث عائشة "وألحقني بالرفيق الأعلى " تقدم شرحه في أواخر المغازي في الوفاة النبوية، وتقدم في الذي قبله أن ذلك لا يعارض النهي عن تمني الموت والدعاء به، وأن هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت. وقد تقدم بسطه واضحا هناك ولله الحمد.
(10/131)