بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}
 
6057- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ.
قوله: "باب قول الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} " قال الراغب: الزور الكذب، قيل له ذلك لكونه مائلا عن الحق، والزور بفتح الزاي الميل. وكان موقع هذه الترجمة للإشارة إلى أن القول المنقول بالنميمة لما كان أعم من أن يكون صدقا أو كذبا فالكذب فيه أقبح. قوله: "حدثنا أحمد بن يونس" هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده، وقد تقدم حديث الباب في أوائل الصيام أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب بالسند والمتن
(10/473)

وتقدم شرحه هناك، وقوله هنا في آخره: "قال أحمد أفهمني رجل إسناده" أحمد هو ابن يونس المذكور. والمعنى أنه لما سمع الحديث من ابن أبي ذئب لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه فأفهمه إياه رجل كان معه في المجلس، وقد خالف أبو داود رواية البخاري فأخرج الحديث المذكور عن أحمد بن يونس هذا لكن قال في آخر: "قال أحمد فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه" وهكذا أخرجه الإسماعيلي عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس، وهذا عكس ما ذكره البخاري، فإن مقتضى روايته أن المتن فهمه أحمد من شيخه ولم يفهم الإسناد منه بخلاف ما قال أبو داود وإبراهيم بن شريك، فيحمل على أن أحمد بن يونس حدث به على الوجهين. وخبط الكرماني هنا فقال: قال أفهمني أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل إسناده، ووجه الخبط نسبته إلى أحمد بن يونس نسيان الإسناد وأن التذكير وقع له من الرجل بعد ذلك، وليس كذلك، بل أراد أنه لما سمعه من ابن أبي ذئب خفي عنه بعض لفظه أما على رواية البخاري فمن الإسناد، وأما على رواية أبي داود فمن المتن، وكان الرجل بجنبه فكأنه استفهمه عما خفي عليه منه فأفهمه، فلما كان بعد ذلك وتصدى للتحديث به أخبر بالواقع ولم يستجز أن يسنده عن ابن أبي ذئب بغير بيان. وقد وقع مثل ذلك لكثير من المحدثين، وعقد الخطيب لذلك بابا في كتاب "الكفاية" وانظر إلى قوله: "أفهمني رجل إلى جنبه" أي إلى جنب ابن أبي ذئب. ثم قال الكرماني: وأراد رجل عظيم والتنوين يدل عليه والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمني اهـ. ولم يتعين أنه تعظيم للرجل الذي أفهمه من مجرد قوله رجل، بل الذي فيه أنه إنما نسي اسمه فعبر عنه برجل أو كنى عن اسمه عمدا، وأما مدح شيخه فليس في السياق ما يقتضيه. قلت: وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة المخزومي، وكان له أخوان المغيرة وطالوت، ولم أقف على اسم ابن أخيه المذكور ولا على تعيين أبيه أيهما هو، قال ابن التين: ظاهر الحديث أن من اغتاب في صومه فهو مفطر، وإليه ذهب بعض السلف، وذهب الجمهور إلى خلافه، لكن معنى الحديث أن الغيبة من الكبائر وأن إثمها لا يفي له بأجر صومه فكأنه في حكم المفطر. قلت: وفي كلامه مناقشة لأن حديث الباب لا ذكر للغيبة فيه، وإنما فيه قول الزور والعمل به والجهل، ولكن الحكم والتأويل في كل ذلك ما أشار إليه والله أعلم. وقوله فيه: "فليس لله حاجة" هو مجاز عن عدم قبول الصوم.
(10/474)