بَاب الْحَيَاءِ
 
6117- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنْ الْحَيَاءِ وَقَاراً وَإِنَّ مِنْ الْحَيَاءِ سَكِينَةً فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ" .
6118- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ" .
6119- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا".
قوله: "باب الحياء" بالمد تقدم تعريفه في أول كتاب الإيمان، ووقع لابن دقيق العيد في "شرح العمدة" أن أصل الحياء الامتناع ثم استعمل في الانقباض، والحق أن الامتناع من لوازم الحياء ولازم الشيء لا يكون أصله، ولما كان الامتناع لازم الحياء كان في التحريض على ملازمة الحياء حض على الامتناع عن فعل ما يعاب، والحيا بالقصر المطر. قوله: "عن قتادة" كذا قال أكثر أصحاب شعبة، وخالفهم شبابة بن سوار فقال: "عن شعبة عن خالد بن رباح" بدل قتادة، أخرجه ابن منده، ووقع نطير هذه القصة عن عمران بن حصين أيضا للعلاء من زياد أخرجه ابن المبارك في "كتاب البر والصلة". قوله: "عن أبي السوار" بفتح المهملة وتشديد الواو وبعد الألف راء اسمه حريث على الصحيح، وقيل حجير بن الربيع، وقيل غير ذلك ووقع في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عبد مسلم: "سمعت أما السوار". قوله: "الحياء لا يأتي إلا بخير" في رواية خالد بن رباح عن أبي السوار عبد أحمد وكذلك في رواية أبي قتادة العدوي عن عمران عند مسلم: "الحياء خير كله"
(10/521)

وللطبراني من حديث قرة بن إياس " قيل لرسول الله: الحياء من الدين؟ فقال: بل هو الدين كله" وللطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة". قوله: "بشير بن كعب" بالموحدة والمعجمة مصغر تابعي جليل، يأتي ذكره في الدعوات. قوله: "مكتوب في الحكمة" في رواية محمد بن جعفر "أنه مكتوب في الحكمة" وفي رواية أبي قتادة العدوي عند مسلم: "فقال بشير بن كعب إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة" بالشك، والحكمة في الأصل إصابة الحق بالعلم، وسيأتي بسط القول في ذلك في "باب ما يجوز من الشعر" إن شاء الله تعالى. قوله: "إن من الحياء وقارا، وإن من الحياء سكينه" في رواية الكشميهني: "السكينة" بزيادة ألف ولام. وفي رواية أبي قتادة العدوي، "إن منه سكينة ووقارا لله" وفيه ضعف، وهذه الزيادة متعينة ومن أجلها غضب عمران، وإلا فليس في ذكر السكينة والوقار ما ينافي كونه خيرا، أشار إلى ذلك ابن بطال، لكن يحتمل أن يكون غضب من قوله منه؛ لأن التبعيض يفهم أن منه ما يضاد ذلك، وهو قد روي أنه كله خير. وقال القرطبي: معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه. ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرم الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة، ولم ينكر عمران عليه هذا القدر من حيث معناه، وإنما أنكره عليه من حيث أنه ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره، وقيل إنما أنكر عليه كونه خاف أن يخلط السنة بغيرها. قلت: ولا يخفى حسن التوجيه السابق. قوله: "وتحدثني عن صحيفتك" في رواية أبي قتادة "فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه" وفي رواية أحمد "وتعرض فيه بحديث الكتب" وهذا يؤيد الاحتمال الماضي، وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه لبشير بن كعب هذا قصة مع ابن عباس تشعر بأنه كان يتساهل في الأخذ عن كل من لقيه. قوله: "عبد العزيز بن أبي سلمة" هو الماجشون. قوله: "مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء" تقدم في أول كتاب الإيمان مع شرحه، ولم أعرف اسم الرجل ولا اسم أخيه إلى الآن، والمراد بوعظه أنه يذكر له ما يترتب على ملازمته من المفسدة. قوله: "الحياء من الإيمان" حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أن المراد به كمال الإيمان. وقال أبو عبيد الهروي: معناه أن المستحي ينقطع بحياته عن المعاصي وإن لم يكن له تقية، فصار كالإيمان القاطع بينه وبين المعاصي. قال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم، وأما كونه خيرا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق. والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي، وهو خلق يبعث على ترك القبيح. قلت: ويحتمل أن يكون أشير إلى من كان الحياء من خلقه أن الخير يكون فيه أغلب فيضمحل ما لعله يقع منه مما يذكر في جنب ما يحصل له بالحياء من الخير، أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببا لجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب. وقال أبو العباس القرطبي: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب، وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزيا، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها،
(10/522)

وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم انتهى. الحديث تقدم شرحه في "باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم" وقوله: "عن مولى أنس" قال أبو عبد الله اسمه عبد الله بن أبي عتبة، كذا للأكثر، وحكى الجياني أنه وقع لبعض رواة الفربري عبد الله بدل عبد الرحمن، وأبو عبد الله المذكور هو البخاري، هكذا جزم بتسميته هنا، وتقدم كذلك مسمى هناك، وفي اسمه خلاف فقيل عبد الرحمن وقيل عبيد الله بالتصغير والمعتمد أنه عبد الله مكبرا، وقوله: "العذراء" بفتح المهملة وسكون الذال المعجمة ثم راء ومد هي البكر، والخدر بكسر المعجمة وسكون المهملة الموضع الذي تحبس فيه وتستتر، والله أعلم.
(10/523)