بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا"
 
وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ
6124- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: " يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا " قَالَ أَبُو مُوسَى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا شَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ وَشَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" .
6125- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا" .
6126- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ
(10/524)

النَّاسِ مِنْهُ. وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ".
6127- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: "كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ بِالأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ فَانْطَلَقَتْ الْفَرَسُ فَتَرَكَ صَلاَتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ فَأَقْبَلَ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلاَتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ فَأَقْبَلَ فَقَالَ مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُهُ لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ".
6128- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ".
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، وكان يحب التخفيف والتسري على الناس" أما حديث يسروا فوصله في الباب، وأما الحديث الآخر فأخرجه مالك في الموطأ عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا في صلاة الضحى وفيه: "وكان يحب ما خف على الناس" وفي حديث أيمن المخزومي عن عائشة في قصة الصلاة بعد العصر وفيه: "وما كان يصليها في المسجد مخافة أن تثقل على أمته، وكان يحب ما خفف عليهم" وقد تقدم في "باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت" من كتاب الصلاة، وقد وصل في الباب حديث أبي برزة وفيه: "أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورأى من تيسيره". حديث أبي موسى "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ لما بعثهما إلى اليمن: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا". وإسحاق في حديث أبي موسى هو ابن راهويه كما وقع في رواية ابن السكن، وجزم به أبو نعيم، وتردد الكلاباذي وتبعه أبو علي الجياني هل هو ابن راهويه أو هو ابن منصور. حديث أنس " يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا ". قوله: "يسروا" هو أمر بالتيسير والمراد به الأخذ بالتسكين تارة وبالتيسير أخرى من جهة أن التنفير يصاحب المشقة غالبا وهو ضد التسكين، والتبشير يصاحب التسكين غالبا وهو ضد التنفير، وقد تقدم بيان الوقت الذي بعث فيه أبو موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن في أواخر كتاب المغازي، وتقدم الكلام على البتع وهو يكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها مهملة في كتاب الأشربة. قال الطبري: المراد بالأمر بالتيسير فيما كان من النوافل مما كان شاقا لئلا يفضي بصاحبه إلى الملل فيتركه أصلا، أو يعجب بعمله فيحبط فيما رخص فيه من الفرائض كصلاة الفرض قاعدا للعاجز والفطر في الفرض لمن سافر فيشق عليه، وزاد غيره في ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن من أحدهما بد كما في قصة الأعرابي حيث بال في المسجد. حديث عائشة "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين" الحديث، وقد تقدم شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيضاوي: يتصور التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم فيه إذا صدر من الكفار
(10/525)

مثلا، وفيه توجيه آخر تقدم هناك. حديث أبي برزة. قوله: "وفينا رجل له رأي" لم أقف على اسمه، وحكى ابن التين عن الداودي أن معنى قوله: "له رأي " يظن أنه محسن وليس كذلك. وقوله: "نضب عنه بالماء" بنون وضاد معجمة ثم موحدة أي زال، وقد تقدم في أواخر الصلاة بلفظ: "فجعل رجل من الخوارج يقول" فهذا هو المعتمد، وأن المراد بالرأي رأي الخوارج، والتنوين فيه للتحقير، أي رأي فاسد وقد تقدم شرح الحديث هناك. حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وقد سبقت الإشارة إليه في "باب الرفق" وأن شرحه تقدم في كتاب الطهارة. وفي هذه الأحاديث أن الغلو ومجاوزة القصد في العبادة وغيرها مذموم، وأن المحمود من جميع ذلك ما أمكنت المواظبة معه وأمن صاحبه العجب وغيره من المهلكات.
(10/526)