بَاب الْمُصَافَحَةِ
 
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي
6263-حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ "عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ"
6264- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"
قوله: "باب المصافحة" هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد، وقد أخرج الترمذي بسند ضعيف من حديث أبي أمامة رفعه: "تمام تحيتكم بينكم المصافحة" وأخرج المصنف في "الأدب المفرد" وأبو داود بسند صحيح من طريق حميد عن أنس رفعه: "قد أقبل أهل اليمن وهم أول من حيانا بالمصافحة" وفي "جامع ابن وهب" من هذا الوجه "وكانوا أول من أظهر المصافحة". قوله: "وقال ابن مسعود: علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه" سقط هذا التعليق من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين، وسيأتي موصولا في الباب الذي بعده. قوله: "وقال كعب بن مالك دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إلى طلحة بن عبيد الله
(11/54)

يهرول حتى صافحني وهنأني" هو طرف من قصة كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك في قصة توبته، وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله، وجاء ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر كما سيأتي في أثناء "باب المعانقة". قوله: "عن قتادة قلت لأنس بن مالك: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم" زاد الإسماعيلي في روايته عن همام "قال قتادة وكان الحسن يعني البصري يصافح" وجاء من وجه آخر عن أنس "قيل يا رسول الله الرجل يلقي أخاه أينحني له؟ قال: لا. قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم" أخرجه الترمذي وقال حسن. قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبها مالك بعد كراهته. وقال النووي: المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي. وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن البراء رفعه: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا" وزاد فيه ابن السني "وتكاشرا بود ونصيحة" وفي رواية لأبي داود، وحمدا الله واستغفراه، وأخرجه أبو بكر الروياني في مسنده من وجه آخر عن البراء "لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحني، فقلت: يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم، فقال: نحن أحق بالمصافحة" فذكر نحو سياق الخبر الأول. وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ "تصافحوا يذهب الغل" ولم نقف علنه موصولا، واقتصر ابن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره، قال النووي: وأما تخصيص المصافحة بما بعد صلاتي الصبح والعصر فقد مثل ابن عبد السلام في "القواعد" البدعة المباحة منها. قال النووي: وأصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة. قلت: للنظر فيه مجال، فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها، ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت، ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها، ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن. قوله: "أخبرني حيوة" بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة وآخرها هاء تأنيث هو ابن شريح المصري. قوله: "سمع جده عبد الله بن هشام" أي ابن زهرة بن عثمان من بني تميم بن مرة. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب" كذا اختصره، وكذا أورده في مناقب عمر بن الخطاب، وساقه بتمامه في الأيمان والنذور، وسيأتي البحث فيه هناك. وأغفل المزي ذكره هنا. ولم يقع في رواية النسفي أيضا. وذكره الإسماعيلي هنا من رواية رشدين بن سعد وابن لهيعة جميعا عن زهرة بن معبد بتمامه، وأسقطه من كتاب الأيمان والنذور. وابن لهيعة ورشدين لميسا من شرط الصحيح، ولم يقع لأبي نعيم أيضا من طريق ابن وهب عن حيوة، فأخرجه في الأيمان والنذور بتمامه من طريق البخاري. وأخرج القدر المختصر هنا من رواية أبي زرعة وهب الله بن راشد عن زهرة بن معبد، ووهب الله هذا مختلف فيه، وليس من رجال الصحيح، ووجه إدخال هذا الحديث في المصافحة أن الأخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة اليد غالبا ومن ثم أفردها بترجمة تلي هذه لجواز وقوع الأخذ باليد من غير حصول المصافحة، قال ابن عبد البر: روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة، وذهب إلى هذا سحنون وجماعة، وقد جاء عن مالك جواز المصافحة، وهو الذي يدل عليه صنيعه في الموطأ، وعلى جوازه جماعة العلماء سلفا وحلفا، والله أعلم.
(11/55)