بَاب لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ
 
6304- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ"
[الحديث 6304- طرفه في: 7474]
6305- وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ قَالَ مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي "عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ سَأَلَ سُؤْلًا أَوْ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فَاسْتُجِيبَ فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
قوله: "باب لكل نبي دعوة مستجابة" كذا لأبي ذر وسقط لفظ: "باب" لغيره فصار من جملة الترجمة الأولى. ومناسبتها للآية الإشارة إلى أن بعض الدعاء لا يستجاب عينا. قوله: "إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "مستجابة" كذا لأبي ذر ولم أرها عند الباقين ولا في شيء من نسخ الموطأ. قوله: "يدعو بها" زاد في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة "فيعجل كل نبي دعوته" وفي حديث أنس ثاني حديثي الباب: "فاستجيب له". قوله: "وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة" وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة الآتية في التوحيد "فأريد إن شاء الله أن أختبئ" وزيادة "إن شاء الله" في هذا للتبرك. ولمسلم: من رواية أبي صالح عن أبي هريرة "وإني اختبأت" وفي حديث أنس "فجعلت دعوتي" وزاد: "يوم القيامة" وزاد أبو صالح "فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا" وقوله: "من مات" في محل نصب على المفعولية و "لا يشرك بالله" في محل نصب على الحال، والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به، وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة وأنواعها في أول كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم، وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط، والجواب أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة. وقيل معنى قوله: "لكل نبي دعوة" أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى، وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها
(11/96)

ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب، وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح "لا تذر على الأرض" وقول زكريا "فهب لي من لدنك وليا يرثني" وقول سليمان "وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" حكاه ابن التين. وقال بعض شراح "المصابيح" ما لفظه: اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة. وتعقبه الطيبي1 بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على أحياء من العرب ودعا على أناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ودعا على مضر، قال: والأولى أن يقال إن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا، وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا. وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح "سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة" الحديث: قال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم. وقال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم. وأما قوله: "فهي نائلة" ففيه دليل لأهل السنة أن من مات غير مشرك لا يخلد في النار، ولو مات مصرا على الكبائر. قوله: "وقال معتمر" هو ابن سليمان التيمي، كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي والحميدي، لكن عند الأصيلي وكريمة في أوله "قال لي خليفة حدثنا معتمر" فعلى هذا هو متصل، وقد وصله أيضا مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن معتمر. قوله: "لكل نبي سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة" هكذا وقع بالشك، ولم يسق مسلم لفظه بل أحال به على طريق قتادة عن أنس، وقد أخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من طريق محمد بن عبد الأعلى به، ومن طريق الحسن بن الربيع ومسدد وغيرهما عن معتمر بالشك، ولفظه: "كل نبي قد سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا بها" الحديث ولفظ قتادة عند مسلم: "لكل نبي دعوة لأمته" فذكره ولم يشك.
(11/97)