بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وَمَنْ خَصَّ أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دُونَ نَفْسِهِ
 
وَقَالَ أَبُو مُوسَى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ
6331- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ "حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَيَا عَامِرُ لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ "تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا" وَذَكَرَ شِعْرًا غَيْرَ هَذَا وَلَكِنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلاَ مَتَّعْتَنَا
(11/135)

بِهِ فَلَمَّا صَافَّ الْقَوْمَ قَاتَلُوهُمْ فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ فَلَمَّا أَمْسَوْا أَوْقَدُوا نَارًا كَثِيرَةً
فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذِهِ النَّارُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ فَقَالَ أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَكَسِّرُوهَا قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ"
6332- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ مُرَّةَ "سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ فَأَتَاهُ أَبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى"
6333- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ "قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَهُوَ نُصُبٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَصَكَّ فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا قَالَ فَخَرَجْتُ فِي خَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ أَحْمَسَ مِنْ قَوْمِي وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ فَانْطَلَقْتُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قَوْمِي فَأَتَيْتُهَا فَأَحْرَقْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الأَجْرَبِ فَدَعَا لِأَحْمَسَ وَخَيْلِهَا"
6334- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ "قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَسٌ خَادِمُكَ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ"
6335- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا"
6336- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"
قوله: "باب قول الله تبارك وتعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} كذا للجمهور، ووقع في بعض النسخ زيادة: إن صلواتك سكن لهم، واتفقوا على أن المراد بالصلاة هنا الدعاء، وثالث أحاديث الباب يفسر ذلك، وتقدم في السورة قريبا من هذه الآية قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ
(11/136)

وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} وفسرت الصلوات هنا أيضا بالدعوات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لمن يتصدق.قوله: "ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه" في هذه الترجمة إشارة إلى رد ما جاء عن ابن عمر: أخرج ابن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال: ذكرت رجلا عند ابن عمر فترحمت عليه فلهز في صدري وقال لي: ابدأ بنفسك. وعن إبراهيم النخعي: كان يقال إذا دعوت فابدأ بنفسك، فإنك لا تدري في أي دعاء يستجاب لك. وأحاديث الباب ترد على ذلك، ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله ابن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه: "ما من مسلم يدعو لأخيه ظهر الغيب إلا قال، الملك: ولك مثل ذلك" وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه: "خمس دعوات مستجابات" وذكر فيها "ودعوة الأخ لأخيه" وأخرجه أيضا، هكذا استدل بهما ابن بطال، وفيه نظر لأن الدعاء لظهر الغيب ودعاء الأخ لأخيه أعم من أن يكون الداعي خصه أو ذكر نفسه معه، وأعم من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أبي بن كعب رفعه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه" وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه: "وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه" ويؤيد هذا القيد أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا" وقد تقدم حديث أبي هريرة "اللهم أيده بروح القدس" يريد حسان بن ثابت وحديث ابن عباس "اللهم فقهه في الدين" وغير ذلك من الأمثلة، مع أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كما مر في المناقب من حديث أبي هريرة "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" وقد أشار المصنف إلى الأول بسادس أحاديث الباب، وإلى الثاني بالذي بعده. وذكر المصنف فيه سبعة أحاديث: قوله: "وقال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه" هذا طرف من حديث لأبي موسى تقدم بطوله موصولا في غزوة أوطاس من المغازي، وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى الأشعري، وفيه قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: "أن أبا عامر قال له: قل للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لي، قال فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر" وفيه: "فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما" . قوله: "يحيى" هو ابن سعيد القطان. قوله: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فقال رجل من القوم" هو عمر بن الخطاب، وعامر هو ابن الأكوع عم سلمة راوي الحديث، وقد تقدم بيان ذلك كله في غزوة خيبر من كتاب المغازي، وسبب قول عمر "لولا متعتنا به" وأن ذلك ورد مصرحا به في صحيح مسلم، وأما ابن عبد البر فأورده مورد الاستقراء فقال: "كانوا عرفوا أنه ما استرحم لإنسان قط في غزاة تخصه إلا استشهد، فلذا قال عمر لولا أمتعتنا بعامر" قوله: "وذكر شعرا غير هذا ولكني لم أحفظه" تقدم بيانه في المكان المذكور من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد، ويعرف منه أن القائل "وذكر شعرا" هو يحيى بن سعيد راويه، وأن الذاكر هو يزيد بن أبي عبيد. وقوله: "من هناتك" بفتح الهاء والنون جمع هنة، ويروى "هنيهاتك، وهنياتك" والمراد الأراجيز القصار، وتقدم شرح الحديث مستوفى هناك. قوله: "فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة" الحديث في قصة الحمر الأهلية في رواية حاتم بن إسماعيل "فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم فيه" يعني خيبر وذكر الحديث بطوله
(11/137)

وقد تقدم شرحه. قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، وعمرو شيخ شعبة فيه هو ابن مرة، وابن أبي أوفى هو عبد الله.قوله: "صل على آل أبي أوفى" أي عليه نفسه وقيل عليه وعلى أتباعه، وسيأتي الكلام في الصلاة على غير الأنبياء بعد ثلاثة عشر بابا. قوله في حديث جرير وهو ابن عبد الله البجلي "وهو نصب" بضم النون وبصاد مهملة ثم موحدة هو الصنم، وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة سأل، وقوله يسمى "الكعبة اليمانية" في رواية الكشميهني: "كعبة اليمانية" وهي لغة وقوله: "فخرجت في خمسين من قومي" في رواية الكشميهني: "فارسا" والقائل "وربما قال سفيان" هو علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه، وسفيان هو ابن عيينة، وقد تقدم شرح هذا الحديث في أواخر المغازي. في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنس أن يكثر ماله وولده، وسيأتي شرحه قريبا بعد ثمانية وعشرين بابا، وقد بين مسلم - في رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس - أن ذلك كان في آخر دعائه لأنس ولفظه: "فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع الله له، فدعا لي بكل خير، وكان في دعائه أن قال" فذكره. قال الداودي هذا يدل على بطلان الحديث الذي ورد "اللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فأقلل له من المال والولد" الحديث قال: وكيف يصح ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يخص على النكاح والتماس الولد. قلت: لا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون ورد في حصول الأمرين معا، لكن يعكر عليه حديث الباب فيقال: كيف دعا لأنس وهو خادمه بما كرهه لغيره، ويحتمل أن يكون مع دعائه له بذلك قرنه بأن لا يناله من قبل ذلك ضرر، لأن المعنى في كراهية اجتماع كثرة المال والولد إنما هو لما يخشى من ذلك من الفتنة بهما، والفتنة لا يؤمن معها الهلكة. قوله: "عبدة" هو ابن سليمان. قوله: "رجلا يقرأ في المسجد" هو عباد بن بشر كما تقدم في الشهادات، وتقدم شرح المتن في فضائل القرآن. وقوله فيه: "لقد أذكرني كذا وكذا آية" قال الجمهور: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسى شيئا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه، وكذا يجوز أن ينسى ما لا يتعلق بالإبلاغ، ويدل عليه قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} . قوله: "سليمان" هو ابن مهران الأعمش. قوله: "عن أبي وائل" هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الأدب من طريق حفص بن غياث عن الأعمش "سمعت شقيقا". قوله: "فقال رجل" هو معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة، أو حرقوص كما تقدم بيانه في غزوة حنين هناك، والمراد منه هنا قوله: "يرحم الله موسى" فخصه بالدعاء فهو مطابق لأحد ركني الترجمة، وقوله: "وجه الله" أي الإخلاص له.
(11/138)