بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ
 
6345- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ"
[الحديث 6345- أطرافه في 6346، 7421، 7431]
6346- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَقَالَ وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ"
قوله: "باب الدعاء عند الكرب" بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة، هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه. قوله: "هشام" وفي الطريق الثانية "هشام بن أبي عبد الله" وهو الدستوائي، وأبو العالية هو الرياحي بتحتانية ثم مهملة واسمه رفيع، وقد رواه قتادة عنه بالعنعنة وهو مدلس، وقد ذكر أبو داود في السنن في كتاب الطهارة عقب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة. وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون، وروى ابن أبي حاتم في "المراسيل" بسنده عن يحيى القطان عن شعبة قال: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث فذكرها بنحوه ولم يذكر حديث ابن عمر، وكأن البخاري لم يعتبر
(11/145)

بهذا الحصر لأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه، وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة، وهذا هو السر في إيراده له معلقا في آخر الترجمة من رواية شعبة. وأخرج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أبا العالية حدثه، وهذا صريح في سماعه له منه. وأخرج البخاري أيضا من رواية قتادة عن أبي العالية غير هذا، وهو حديث رؤية موسى وغيره ليلة أسرى به. وأخرج مسلم أيضا. وقوله في هذا المعلق "وقال وهب" كذا للأكثر، وللمستملي وحده "وهيب" بالتصغير.وقال أبو ذر: الصواب الأول. قلت: ووقع في رواية أبي زيد المروزي "وهب بن جرير" أي ابن حازم فأزال الإشكال، ويؤيده أن البخاري أخرج الحديث المذكور في التوحيد من طريق وهيب بالتصغير وهو ابن خالد فقال: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. فظهر أنه عند وهيب بالتصغير عن سعيد بالمهملة والدال، وعند وهب بسكون الهاء عن شعبة بالمعجمة والموحدة. قوله: "كان يدعو عند الكرب" أي عند حلول الكرب، وعند مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة "كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب" وله من رواية يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي الحارث عن أبي العالية "كان إذا حزبه أمر" وهو بفتح المهملة والزاي وبالموحدة أي هجم عليه أو غلبه، وفي حديث على عند النسائي وصححه الحاكم "لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزل بي كرب أو شدة أن أقولها". قوله: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم" ووقع في الرواية التي بعدها بلفظ: "ورب الأرض ورب العرش الكريم" وقال في أوله "رب العرش الكريم" بدل "العظيم الحليم" ووقع جميع ما تضمنته هاتان الروايتان في رواية وهيب بن خالد التي أشرت إليها، لكن قال: "العليم الحليم" باللام بدل الظاء المعجمة، وكذا هو لمسلم من طريق معاذ بن هشام وقال: "العظيم" بدل "العليم". قوله: "رب العرش العظيم" نقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم، وكذا برفع الكريم في قوله: "رب العرش الكريم" على أنهما نعتان للرب، والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش، وكذا قرأ الجمهور في قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} و {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} بالرفع، وقرأ ابن محيصن بالجر فيهما، وجاء ذلك أيضا عن ابن كثير وعن أبي جعفر المدني، وأعرب بوجهين أحدهما ما تقدم والثاني أن يكون مع الرفع نعتا للعرش على أنه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح، ورجح لحصول توافق القراءتين، ورجح أبو بكر الأصم الأول لأن وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش، وفيه نطر لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم، فقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان، قال العلماء: الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة، والعظيم الذي لا شيء يعظم عليه، والكريم المعطى فضلا، وسيأتي لذلك مزيد في شرح الأسماء الحسنى قريبا. وقال الطيبي: صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب، لأنه مقتضى التربية، وفيه التهليل المشتمل على التوحيد، وهو أصل التنزيهات الجلالية، والعظمة التي تدل على تمام القدرة، والحلم الذي يدل على العلم، إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم، وهما أصل الأوصاف الإكرامية. ووقع في حديث على الذي أشرت إليه "لا إله إلا الله الكريم العظيم، سبحان الله تبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين" وفي لفظ: "الحليم الكريم" في الأول وفي لفظ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، لا
(11/146)

إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم" وفي لفظ: "لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين" أخرجها كلها النسائي. قال الطبري: معنى قول ابن عباس "يدعو" وإنما هو تهليل وتعظيم يحتمل أمرين: أحدهما أن المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف ابن عبد الله بن الحارث المذكورة وفي آخره: "ثم يدعو". قلت: وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه، وعند عبد بن حميد من هذا الوجه "كان إذا حزبه أمر قال" فذكر الذكر المأثور وزاد: "ثم دعا" وفي "الأدب المفرد" من طريق عبد الله بن الحارث "سمعت ابن عباس" فذكره وزاد في آخره: "اللهم اصرف عني شره" قال الطبري: ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال: كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب؛ وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء. كان على الرجاء. ثانيهما ما أجاب به ابن عيينة فيما حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: "سألت ابن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الحديث فقال سفيان: هو ذكر، وليس فيه دعاء، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عن ربه عز وجل. من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين" قال وقال أمية ابن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضك الثناء
قال سفيان: فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخالق؟ قلت: ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله تعالى له" أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم، وفي لفظ للحام "فقال رجل: أكانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع إلى قول الله تعالى: {كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} . وقال ابن بطال: حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث، وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر، فقال لي صلى الله عليه وسلم: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج انتهى. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "الفرج بعد الشدة" له من طريق عبد الملك بن عمير قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان أنظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة وأوقفه للناس، قال فبعث إليه فجيء به فقام إليه علي بن الحسين فقال: يا ابن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك، فذكر حديث علي باللفظ الثاني، فقالها، فرفع إليه عثمان رأسه فقال: أرى وجه رجل كذب عليه، خلوا سبيله، فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق. وأخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال: لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. قال الحسن: فأرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك، فلأنت اليوم أحب إلي من كذا وكذا. وزاد في لفظ: فسل حاجتك. ومما ورد من
(11/147)