بَاب لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ 2
 
الأسماء لم يعد فيها الوتر فدل على أن له اسما آخر غير التسعة والتسعين. وتعقبه من ذهب إلى الحصر في التسعة والتسعين كابن حزم بأن الخبر الوارد لم يثبت رفعه وإنما هو مدرج كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل أيضا على عدم الحصر بأنه مفهوم عدد وهو ضعيف، وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور، وهو لا يقول بالمفهوم أصلا ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم: "مائة إلا واحدا" قال لأنه لو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم أن يكون له مائة اسم فيبطل قوله مائة إلا واحدا، وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم، لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها، فمن ادعى على أن الوعد وقع لمن أحصى زائدا على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد، واحتج بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} وقد قال أهل التفسير: من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة، وقد ذكر منها في آخر سورة الحشر عدة، وختم ذلك بأن قال له الأسماء الحسنى، قال: وما يتخيل من الزيادة في العدة المذكور لعله مكرر معنى وإن تغاير لفظا كالغافر والغفار والغفور مثلا فيكون المعدود من ذلك واحدا فقط، فإذا اعتبر ذلك وجمعت الأسماء الواردة نصا في القرآن وفي الصحيح من الحديث لم تزد على العدد المذكور. وقال غيره: المراد بالأسماء الحسنى في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ما جاء في الحديث: "إن لله تسعة وتسعين اسما" فإن ثبت الخبر الوارد في تعيينها وجب المصير إليه وإلا فليتتبع من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، فإن التعريف في الأسماء للعهد فلا بد من المعهود فإنه أمر بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها فلا بد من وجود المأمور به قلت: والحوالة على الكتاب العزيز أقرب، وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي أن يعمد إلى ما تكرر لفظا ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتتبع من الأحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو نمط آخر من التتبع عسى الله أن يعين عليه بحوله وقوته آمين.
"فصل" وأما الحكمة في القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها، ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال: إنما خص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسا. وقيل الحكمة فيه أن معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة، وقيل الحكمة فيه أن العدد زوج وفرد، والفرد أفضل من الزوج، ومنتهى الأفراد من غير تكرار تسعة وتسعون لأن مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد. وإنما كان الفرد أفضل من الزوج لأن الوتر أفضل من الشفع لأن الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق، والشفع يحتاج للوتر من غير عكس. وقيل الكمال في العدد حاصل في المائة لأن الأعداد ثلاثة أجناس: آحاد وعشرات ومئات، والألف مبتدأ لآحاد أخر، فأسماء الله مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحد فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وقال غيره: ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة، وممن جزم بذلك السهيلي فقال: الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة، الله، ويؤيده قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل المائة. واستدل بهذا الحديث على أن الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء الله الحسنى فقال: في هذا الحديث دليل على أن الاسم هو المسمى، إذ لو كان غيره كانت الأسماء غيره لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ثم قال: والمخلص من ذلك أن المراد بالاسم
(11/221)

هنا التسمية.وقال الفخر الرازي: المشهور من قول أصحابنا أن الاسم نفس المسمى وغير التسمية، وعند المعتزلة الاسم نفس التسمية وغير المسمى، واختار الغزالي أن الثلاثة أمور متباينة. وهو الحق عندي، لأن الاسم إن كان عبارة عن اللفظ الدال على الشيء بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشيء المسمى فالعلم الضروري حاصل بأن الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه. وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم": الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شيء مفرد، وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك، وإنما التفرقة بينها باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا، وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال إن الاسم هو المسمى حقيقة كما زعم بعض الجهلة فألزم أن من قال نار احترق، فلم يقدر على التخلص من ذلك. وأما النحاة فمرادهم بأن الاسم هو المسمى أنه من حيث إنه لا يدل إلا عليه ولا يقصد إلا هو، فإن كان ذلك الاسم من الأسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر آخر، وإن كان من الأسماء الدالة على معنى زائد دل على أن تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره، وبيان ذلك أنك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصة في الوجود من غير زيادة ولا نقصان، فإن قلت العالم دل على أن تلك الذات منسوبة للعلم، ومن هذا صح عقلا أن تتكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال: وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال: إن المراد بالاسم التسمية، ورأى أن هذا يخلصه من التكثر، وهذا فرار من غير مفر إلى مفر.وذلك أن التسمية إنما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم إلى مسماه؛ فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى أن له اسمين ننسبهما إليه، فبقي الإلزام على حاله من ارتكاب التعسف. ثم قال القرطبي: وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة أن هذه الكلمة التي هي الاسم تطلق ويراد بها المسمى، كما قيل ذلك في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى. وقال غيره: التحقيق في ذلك أنك إذا سميت شيئا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء: ذلك الاسم وهو اللفظ، ومعناه قبل التسمية، ومعناه بعدها وهو الذات التي أطلق عليها اللفظ، والذات واللفظ متغايران قطعا، والنحاة إنما يطلقونه على اللفظ لأنهم إنما يتكلمون في الألفاظ، وهو غير مسمى قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا، والخلاف في الأمر الثالث وهو معنى اللفظ قبل التلقيب، فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في أنه الثالث أو لا، فالخلاف حينئذ إنما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى أو لا، لا في الاسم اللفظي، والنحوي لا يطلق الاسم على غير اللفظ لأنه محط صناعته، والمتكلم لا ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال. وإنما يزيد عليه شيئا آخر دعاه إلى تحقيقه ذكر الأسماء والصفات وإطلاقها على الله تعالى، قال: ومثال ذلك أنك إذا قلت جعفر لقبه أنف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ أنف الناقة، والمتكلم يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم، ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعة أو رفعة، لأن اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضعة والرفعة، وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين، وبهذا يظهر أن الخلاف في أن الاسم هو المسمى أو غير المسمى خاص بأسماء الأعلام المشتقة. ثم قال القرطبي: فأسماء الله وإن تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب، لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات، وإنما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات، ثم هي من جهة دلالتها على أربعة
(11/222)

ضرب: الأول ما يدل على الذات مجردة كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن، ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة. الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير. الثالث ما يدل على إضافة أمر ما إليه كالخالق والرازق. الرابع ما يدل على سلب شيء عنه كالعلي والقدوس. وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والإثبات. واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن يشتق من الأفعال الثابتة لله أسماء، إلا إذا ورد نص إما في الكتاب أو السنة، فقال الفخر: المشهور عن أصحابنا أبها توقيفية. وقالت المعتزلة والكرامية: إذا دل العقل على أن معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله. وقال القاضي أبو بكر والغزالي: الأسماء توقيفية دون الصفات، قال: وهذا هو المختار. واحتج الغزالي بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق، قال: فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى. واتفقوا على أنه لا يجوز أن يطلق عليه اسم ولا صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا، فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وإن ثبت في قوله: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} ، {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} ، {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} " ونحوها، ولا يقال له ماكر ولا بناء وإن ورد {وَمَكَرَ اللَّهُ} {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} وقال أبو القاسم القشيري: الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه. وقال أبو إسحاق الزجاج: لا يجوز لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه، والضابط أن كل ما أذن الشرع أن يدعى به سواء كان مشتقا أو غير مشتق فهو من أسمائه، وكل ما جاز أن ينسب إليه سواء كان مما يدخله التأويل أو لا فهو من صفاته ويطلق عليه اسما أيضا. قال الحليمي: الأسماء الحسنى تنقسم إلى العقائد الخمس: الأولى إثبات الباري ردا على المعطلين وهي الحي والباقي والوارث وما في معناها. والثانية توحيده ردا على المشركين وهي الكافي والعلي والقادر ونحوها، والثالثة تنزيهه ردا على المشبهة وهي القدوس والمجيد والمحيط وغيرها. والرابعة اعتقاد أن كل موجود من اختراعه ردا على القول بالعلة والمعلول وهي الخالق والبارئ والمصور والقوي وما يلحق بها. والخامسة أنه مدبر لما اخترع ومصرفه على ما شاء وهو القيوم والعليم والحكيم وشبهها. وقال أبو العباس بن معد: من الأسماء ما يدل على الذات عينا وهو الله، وعلى الذات مع سلب كالقدوس والسلام، ومع إضافة كالعلي العظيم، ومع سلب وإضافة كالملك والعزيز ومنها ما يرجع إلى صفة كالعليم والقدير، ومع إضافة كالحليم والخبير، أو إلى القدرة مع إضافة كالقهار، وإلى الإرادة مع فعل وإضافة كالرحمن الرحيم. وما يرجع إلى صفة فعل كالخالق والبارئ، ومع دلالة على الفعل كالكريم واللطيف. قال: فالأسماء كلها لا تخرج عن هذه العشرة، وليس فيها شيء مترادف إذ لكل اسم خصوصية ما وإن اتفق بعضها مع بعض في أصل المعنى انتهى كلامه. ثم وقفت عليه منتزعا من كلام الفخر الرازي في شرح الأسماء الحسنى. وقال الفخر أيضا: الألفاظ الدالة على الصفات ثلاثة: ثابتة في حق الله قطعا، وممتنعة قطعا، وثابتة لكن مقرونة بكيفية، فالقسم الأول منه ما يجوز ذكره مفردا ومضافا وهو كثير جدا كالقادر والقاهر، ومنه ما يجوز مفردا ولا يجوز مضافا إلا بشرط كالخالق فيجوز خالق ويجوز خالق كل شيء مثلا ولا يجوز خالق القردة، ومنه عكسه يجوز مضافا ولا يجوز مفردا كالمنشئ يجوز منشئ الخلق ولا يجوز منشئ فقط. والقسم الثاني إن ورد السمع بشيء منه أطلق وحمل على
(11/223)

ما يليق به.والقسم الثالث إن ورد السمع بشيء منه أطلق ما ورد منه ولا يقاس عليه ولا يتصرف فيه بالاشتقاق كقوله تعالى: {وَمَكَرَ اللَّهُ} و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فلا يجوز ماكر ومستهزئ. "تكميل": وإذ قد جرى ذكر الاسم الأعظم في هذه المباحث فليقع الإمام بشيء من الكلام عليه، وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله كلها عظيمة، وعبارة أبي جعفر الطبري: اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم، والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ولا شيء أعظم منه، فكأنه يقول كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم. وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به. مزيد ثواب القارئ وقيل المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقا بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى فإن من تأتى له ذلك استجيب له. ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق وعن الجنيد وعن غيرهما. وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، وأثبته آخرون معينا واضطربوا في ذلك وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولا: الأول الاسم الأعظم "هو" نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف، واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام معظم حضرته لم يقل له: أنت قلت كذا، وإنما يقول هو يقول تأدبا معه. الثاني "الله" لأنه اسم لم يطلق على غيره، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ومن ثم أضيفت إليه. الثالث "الله الرحمن الرحيم" ولعل مستنده ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة أنها "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها الاسم الأعظم فلم يفعل، فصلت ودعت: اللهم إني أدعوك الله وأدعوك الرحمن وأدعوك الرحيم وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم" الحديث وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها "إنه لفي الأسماء التي دعوت بها" . قلت: وسنده ضعيف وفي الاستدلال به نظر لا يخفى. الرابع "الرحمن الرحيم الحي القيوم" لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين" {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة سورة آل عمران {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي وحسنه الترمذي وفي نسخة صحيحة: وفيه نظر لأنه من رواية شهر بن حوشب. الخامس "الحي القيوم" أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة "الاسم الأعظم في ثلاث سور: البقرة وآل عمران وطه" قال القاسم الراوي عن أبي أمامة: التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم، وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما. السادس "الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم" ورد ذلك مجموعا في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان. السابع "بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام" أخرجه أبو يعلى من طريق السدي ابن يحيى عن رجل من طيئ وأثنى عليه قال: "كنت أسأل الله أن يريني الاسم الأعظم فأريته مكتوبا في الكواكب في السماء".الثامن. "ذو الجلال والإكرام" أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال: "سمع
(11/224)

النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال، قد استجيب لك فسل" واحتج له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الإلهية، لأن في الجلال إشارة إلى جميع السلوب، وفي الإكرام إشارة إلى جميع الإضافات.التاسع "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث بريدة، وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك. العاشر "رب رب" أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ: "اسم الله الأكبر رب رب" وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة "إذا قال العبد يا رب يا رب، قال الله تعالى: لبيك عبدي سل تعط" رواه مرفوعا وموقوفا.الحادي عشر "دعوة ذي النون" أخرج النسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رفعه: "دعوة ذي النون في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له". الثاني عشر نقل الفخر الرازي عن زين العابدين أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم فرأى في النوم "هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم". الثالث عشر هو مخفي في الأسماء الحسنى، ويؤيده حديث عائشة المتقدم "لما دعت ببعض الأسماء وبالأسماء الحسنى. فقال لها صلى الله عليه وسلم: إنه لفي الأسماء التي دعوت بها". الرابع عشر "كلمة التوحيد" نقله عياض تقدم قبل هذا. واستدل بحديث الباب على انعقاد اليمين بكل اسم ورد في القرآن أو الحديث الثابت وهو وجه غريب حكاه ابن كج من الشافعية؛ ومنع الأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله" وأجيب بأن المراد الذات لا خصوص هذا اللفظ، وإلى هذا الإطلاق ذهب الحنفية والمالكية وابن حزم وحكاه ابن كج أيضا، والمعروف عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من العلماء أن الأسماء ثلاثة أقسام: أحدها ما يختص بالله كالجلالة والرحمن ورب العالمين فهذا ينعقد به اليمين إذا أطلق ولو نوى به غير الله. ثانيها ما يطلق عليه وعلى غيره لكن الغالب إطلاقه عليه وأنه يقيد في حق غيره بضرب من التقييد كالجبار والحق والرب ونحوها فالحلف به يمين، فإن نوى به غير الله فليس بيمين. ثالثها ما يطلق في حق الله وفي حق غيره على حد سواء كالحي والمؤمن، فإن نوى به غير الله أو أطلق فليس بيمين، وإن نوى الله تعالى فوجهان صحح النووي أنه يمين وكذا في المحرر. وخالف في الشرحين فصحح أنه ليس بيمين. واختلف الحنابلة فقال القاضي أبو يعلى ليس بيمين وقال المجد ابن تيمية في المحرر إنها يمين. قوله: "من حفظها" هكذا رواه علي بن المديني ووافقه الحميدي وكذا عمرو الناقد عند مسلم. وقال ابن أبي عمر عن سفيان "من أحصاها" أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريقه، وكذا قال شعبة عن أبي الزناد كما تقدم في الشروط ويأتي في التوحيد، قال الخطابي: الإحصاء في مثل هذا يحتمل وجوها: أحدها أن يعدها حتى يستوفيها يريد أنه لا يقتصر على بعضها لكن يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليها من الثواب. ثانيها المراد بالإحصاء الإطاقة كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} ومنه حديث: "استقيموا ولن تحصوا" أي لن تبلغوا كنه الاستقامة، والمعنى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه بواجبها فإذا قال: "الرزاق" وثق بالرزق وكذا سائر الأسماء. ثالثها المراد بالإحصاء الإحاطة بمعانيها من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة انتهى ملخصا. وقال القرطبي: المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة، وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين. وقال غيره: معنى أحصاها عرفها، لأن العارف بها
(11/225)

لا يكون إلا مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة.وقيل معناه عدها معتقدا، لأن الدهري لا يعترف بالخالق. والفلسفي لا يعترف بالقادر وقيل أحصاها يريد بها وجه الله وإعظامه. وقيل معنى أحصاها عمل بها، فإذا قال: "الحكيم" مثلا سلم جميع أوامره لأن جميعها على مقتضى الحكمة وإذا قال: "القدوس" استحضر كونه منزها عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل. وقال ابن بطال: طريق العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فإن الله يحب أن يرى حلاها على عبده، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة، فهذا معنى أحصاها وحفظها، ويؤيده أن من حفظها عدا وأحصاها سردا ولم يعمل بها يكون كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه، وقد ثبت الخبر في الخوارج أنهم يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم. قلت: والذي ذكره مقام الكمال، ولا يلزم من ذلك أن لا يرد الثواب لمن حفظها وتعبد بتلاوتها والدعاء بها وإن كان متلبسا بالمعاصي كما يقع مثل ذلك في قارئ القرآن سواء، فإن ا القارئ ولو كان متلبسا بمعصية غير ما يتعلق بالقراءة يثاب على تلاوته عند أهل السنة، فليس ما بحثه ابن بطال بدافع لقول من قال إن المراد حفظها سردا والله أعلم. وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها، وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخبر. وقال في "الأذكار" هو قول الأكثرين. وقال ابن الجوزي: لما ثبت في بعض طرق الحديث: "من حفظها" بدل "أحصاها" اخترنا أن المراد العد أي من عدها ليستوفيها حفظا. قلت: وفيه نظر، لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعين السرد عن ظهر قلب، بل يحتمل الحفظ المعنوي. وقيل المراد بالحفظ حفظ القرآن لكونه مستوفيا لها، فمن تلاه ودعا بما فيه من الأسماء حصل المقصود. قال النووي: وهذا ضعيف، وقيل المراد من تتبعها من القرآن. وقال ابن عطية: معنى أحصاها عدها وحفظها، ويتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والاعتبار بمعانيها. وقال الأصيلي: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العمل بها. وقال أبو نعيم الأصبهاني: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها. وقال أبو عمر الطلمنكي من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المعرفة بالأسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالم لمعاني الأسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل عليه من المعاني. وقال أبو العباس بن معد: يحتمل الإحصاء معنيين أحدهما أن المراد تتبعها من الكتاب والسنة حتى يحصل عليها، والثاني أن المراد أن يحفظها بعد أن يجدها محصاة. قال: ويؤيده أنه ورد في بعض طرقه: "من حفظها" قال: ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أطلق أولا قوله: "من أحصاها دخل الجنة" ووكل العلماء إلى البحث عنها ثم يسر على الأمة الأمر فألقاها إليهم محصاة وقال: "من حفظها دخل الجنة" قلت: وهذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتوقف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بهذا الحديث مرتين إحداهما قبل الأخرى، ومن أين يثبت ذاك ومخرج اللفظين واحد؟ وهو عن أبي هريرة، والاختلاف عن بعض للرواة عنه في أي اللفظين قاله. قال: وللإحصاء معان أخرى، منها الإحصاء الفقهي وهو العلم بمعانيها من اللغة وتنزيهها على الوجوه التي تحملها الشريعة ومنها الإحصاء النظري وهو أن يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة ويستدل عليه بأثره الساري
(11/226)

في الوجود فلا تمر على موجود إلا ويظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء وتعرف خواص بعضها وموقع القيد ومقتضى اسم، قال: وهذا أرفع مراتب الإحصاء، قال: وتمام ذلك أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن بما يقتضيه كل اسم، من الأسماء فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وجبت لذاته، قال فمن حصلت له جميع مراتب الإحصاء حصل على الغاية، ومن منح منحي من مناحيها فثوابه بقدر ما نال والله أعلم. "تنبيه": وقع في تفسير ابن مردويه وعند أبي نعيم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة بدل قوله من أحصاها دخل الجنة "من دعا بها دخل الجنة" وفي سنده حصين بن مخارق وهو ضعيف، وزاد خليد بن دعلج في روايته التي تقدمت الإشارة إليها "وكلها في القرآن" وكذا وقع من قول سعيد بن عبد العزيز، وكذا وقع في حديث ابن عباس وابن عمر معا بلفظ: "من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن "وسيأتي في كتاب التوحيد شرح معاني كثير من الأسماء حيث ذكرها المصنف في تراجمه إن شاء الله تعالى. وقوله: "دخل الجنة" عبر بالماضي تحقيقا لوقوعه وتنبيها على أنه وإن لم يقع فهو في حكم الواقع لأنه كائن لا محالة. قوله: "وهو وتر يحب الوتر" في رواية مسلم: "والله وتر يحب الوتر" وفي رواية شعيب بن أبي حمزة "أنه وتر يحب الوتر" ويجوز فتح الواو وكسرها، والوتر الفرد ومعناه في حق الله أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ولا انقسام، وقوله: "يحب الوتر" قال عياض معناه أن الوتر في العدد فضلا على الشفع في أسمائه لكونه دالا على الوحدانية في صفاته، وتعقب بأنه لو كان المراد به الدلالة على الوحدانية لما تعددت الأسماء، بل المراد أن الله يحب الوتر من كل شيء وأن تعدد ما فيه الوتر، وقيل هو منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل الإخلاص، وقيل لأنه أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما في الصلوات الخمس ووتر الليل وإعداد الطهارة وتكفين الميت وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والأرض انتهى ملخصا. وقال القرطبي: الظاهر أن الوتر هنا للجنس، إذ لا معهود جرى ذكره حتى يحمل عليه فيكون معناه أنه وتر يحب كل وتر شرعه، ومعنى محبته له أنه أمر به وأثاب عليه، ويصلح ذلك العموم ما خلقه وترا من مخلوقاته أو معنى محبته له أنه خصصه بذلك لحكمة يعلمها، ويحتمل أن يريد بذلك وترا بعينه وإن لم يجر له ذكر. ثم اختلف هؤلاء فقيل: المراد صلاة الوتر، وقيل صلاة الجمعة، وقيل يوم الجمعة، وقيل يوم عرفة، وقيل آدم، وقيل غير ذلك. قال: والأشبه ما تقدم من حمله على العموم. قال: ويظهر لي وجه آخر وهو أن الوتر يراد به التوحيد فيكون المعنى أن الله في ذاته وكماله وأفعاله واحد ويحب التوحيد، أي أن يوحد ويعتقد انفراده بالألوهية دون خلقه فيلتئم أول الحديث وآخره. والله أعلم. قلت: لعل من حمله على صلاة الوتر استند إلى حديث علي "أن الوتر ليس بحتم كالمكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر ثم قال أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر" أخرجوه في السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة واللفظ له، فعلى هذا التأويل تكون اللام في هذا الخبر للعهد لتقدم ذكر الوتر المأمور به، لكن لا يلزم أن يحمل الحديث الأخر على هذا بل العموم فيه أظهر، كما أن العموم في حديث على محتمل أيضا. وقد طعن حفظ ألفاظ تعد في أيسر مدة؟ وتعقب بأن الشرط المذكور ليس مطردا ولا حصر فيه، بل قد تحصل الجنة بغير ذلك كما ورد في كثير من الأعمال غير الجهاد أن فاعله يدخله الجنة. وأما دعوى أن حفظها يحصل في أيسر مدة فإنما يرد على من حمل الحفظ والإحصاء على معنى أن يسردها عن ظهر
(11/227)

قلب، فأما من أوله على بعض الوجوه المتقدمة فإنه يكون في غاية المشقة، ويمكن الجواب عن الأول بأن الفضل واسع.
(11/228)