بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ
 
6473- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ وَفُلاَنٌ وَرَجُلٌ ثَالِثٌ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ "أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلاَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَعَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ وَرَّادًا يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قوله: "باب ما يكره من قيل وقال" ذكر فيه حديث المغيرة بن شعبة في ذلك، قال أبو عبيد: جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا، والمراد أنه نهى عن الإكثار بما لا فائدة فيه من الكلام، وهذا على أن الرواية فيه بالتنوين. وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال، وفي حرف ابن مسعود "ذلك عيسى بن مريم قال الحق" بضم اللام. وقال ابن دقيق العيد: الأشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى، لأن القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الآخر كبير فائدة، بخلاف ما إذا كانا فعلين. وقال المحب الطبري: إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا. والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ، قلت: وفي الترجمة إشارة إلى أن جميع ذلك لا يكره لأن من عمومه ما يكون في الخبر المحض فلا يكره والله أعلم. وذهب بعضهم إلى أن المراد حكاية أقاويل الناس
(11/306)

والبحث عنها كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه، وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء أقوالا كثيرة ثم يعمل بأحدها بغير مرجح أو يطلقها من غير تثبت ولا احتياط لبيان الراجح، والنهي عن كثرة السؤال يتناول الإلحاف في الطلب والسؤال عما لا يعني السائل. وقيل المراد بالنهي المسائل التي نزل فيها "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" وقيل يتناول الإكثار من تفريع المسائل، ونقل عن مالك أنه قال: والله إني لأخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع المسائل. ومن ثم كره جماعة من السلف السؤال عما لم يقع لما يتضمن من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة. وقد تقدم كثير من هذه المباحث عند شرح الحديث في كتاب الصلاة، وأن المراد بالنهي عن كثرة السؤال في المال. ورجحه بعضهم لمناسبته لقوله: "وإضاعة المال" وتقدم شيء من هذا في كتاب الزكاة. وأما من فسره بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم وما في أيديهم أو عن أحداث الزمان وما لا يعني السائل فإنه بعيد، لأنه داخل في قوله: "نهى عن قيل وقال" والله أعلم. قوله: "حدثنا علي بن مسلم" كذا للأكثر ووقع للكشميهني وحده "وقال علي بن مسلم" جزم أبو نعيم في "المستخرج" بما عليه الجمهور. قوله:" أنبأنا غير واحد منهم مغيرة" هو ابن مقسم الضبي وفلان ورجل ثالث، المراد بفلان مجالد بن سعيد فقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا "حدثنا هشيم أنبأنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد" وكذا أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي خثيمة عن هشيم، وكذا أخرجه أحمد عن هشيم، وأخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي لكن قال في روايته: "عن غير واحد منهم مغيرة" ولم يسم مجالدا. وأخرجه أيضا عن الحسن بن إسماعيل عن هشيم أنبأنا مغيرة وذكر آخر ولم يسمه وكأنه مجالد، وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي ولم يذكر مع مغيرة أحدا وأما الرجل الثالث فيحتمل أنه داود بن أبي هند، فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن أبي بكير الكرماني عن هشيم قال أنبأنا داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي به، ويحتمل أن يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي عن هشيم عن مغيرة وزكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الشعبي، والحسن المذكور ثقة من شيوخ أبي داود تكلم فيه عبدان بما لا يقدح فيه. وقال ابن عدي: لم أر حديثا منكرا. قوله: "فكتب إليه المغيرة" ظاهره أن المغيرة باشر الكتابة، وليس كذلك، فقد أخرجه ابن حبان من طريق عاصم الأحول عن الشعبي "إن معاوية كتب إلى المغيرة اكتب إلي بحديث سمعته، فدعا غلامه ورادا فقال: اكتب" فذكره. وقوله لا إله إلا الله - إلى قوله: وهو على كل شيء قدير زاد في نسخة الصغاني هنا "ثلاث مرات" وأخرجه الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن وراد "كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فكتبت إليه بخطي" ولم أقف على تسمية من كتب لمعاوية صريحا إلا أن المغيرة كان معاوية أمره على الكوفة في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة خمسين أو في التي بعدها وكان كاتب معاوية إذ ذاك عبيد بن أوس الغساني. وفي الحديث حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة، واعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره أن يوصل الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة، وتعقب بأن هذا يحتاج إلى نقل، وعلى تقدير وجوده فتكون الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل إليه، فتجيء فيه مسألة التعديل على الإبهام والمرجح عدم الاعتداد به. قوله:
(11/307)

"وعن هشيم أنبأنا عبد الملك بن عمير" هو موصول بالطريق التي قبله، وقد وصله الإسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا "حدثنا هشيم عن عبد الملك به". قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم" كذا أطلق، وظاهره أن الرواية كالتي قبلها، وهو كذلك عند الإسماعيلي، وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي الربيع الزهراني عن هشيم فقال في سياقه "كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكره
(11/308)

باب حفظ اللسان ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
...