بَاب الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ
 
6488- حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ"
6489- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ"
قوله: "باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله" هذه الترجمة حذفها ابن بطال، وذكر الحديثين اللذين فيها في الباب الذي قبلها، والمناسبة ظاهرة لكن الذي ثبت في الأصول التفرقة. قوله: "حدثنا موسى بن مسعود" هو أبو حذيفة النهدي وهو بكنيته أشهر، وسفيان شيخه هو الثوري، وعبد الله هو ابن مسعود، والسند كله كوفيون. قوله: "شراك" تقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب اللباس وأنه السير الذي يدخل فيه إصبع الرجل، ويطلق أيضا على كل سير وقي به القدم. قال ابن بطال: فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وإن المعصية مقربة إلى النار، وإن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء. وتقدم في هذا المعنى قريبا حديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة "الحديث، فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها. وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية. حديث أبي هريرة،
(11/321)

هذا الحديث عند مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، وكذا ثبت لمالك الذي أخرجه البخاري من طريقه عند الدار قطني من رواية سعيد بن داود عنه بسند صحيح، وزاد مسلم من طريق أبي صالح المذكورة "فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا تنقصته، وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله ابن الشخير رفعه: "أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله" قال ابن بطال: هذا الحديث جامع لمعاني الخير لأن المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها إلا وجد من هو فوقه، فمتى طلبت نفسه اللحاق به استقصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه، ولا يكون على حال خسيسة من الدنيا إلا وجد من أهلها من هو أخس حالا منه. فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر أوجبه، فيلزم نفسه الشكر، فيعظم اغتباطه بذلك في معاده. وقال غيره: في هذا الحديث دواء الداء لأن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدا، ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا إلى الشكر. وقد وقع في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال: "خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا: من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه، ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به" . وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا.
(11/322)

باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا يظر إلى من هو فوقه
...