بَاب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ 1
 
6573- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ "أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
(11/444)

أَخْبَرهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا"
(11/445)

6574- قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ "هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ" قَالَ أَبُو سَعِيدٍ "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَفِظْتُ مِثْلُهُ مَعَهُ"
قوله: "باب الصراط جسر جهنم" أي الجسر المنصوب على جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة، وهو بفتح الجيم ويجوز كسرها، وقد وقع في حديث الباب لفظ الجسر وفي رواية شعيب الماضية في "باب فضل السجود" بلفظ: "ثم يضرب الصراط" فكأنه أشار في الترجمة إلى ذلك. قوله: "عن الزهري قال سعيد وعطاء بن يزيد أن أبا هريرة أخبرهما" في رواية شعيب عن الزهري "أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي". قوله: "وحدثني محمود" هو ابن غيلان، وساقه هنا على لفظ معمر، وليس في سنده ذكر سعيد، وكذا يأتي في التوحيد من رواية إبراهيم بن سعيد عن الزهري ليس فيه ذكر سعيد، ووقع في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} عن عطاء بن يزيد فذكر الحديث. قولة "قال أناس يا رسول الله" في رواية شعيب "إن الناس قالوا" ويأتي في التوحيد بلفظ: "قلنا". قوله: "هل نرى ربنا يوم القيامة" في التقييد بيوم القيامة إشارة إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا. وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا" وسيأتي الكلام على الرؤية في كتاب التوحيد لأنه محل البحث فيه، وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عند الترمذي أن هذا السؤال وقع على سبب. وذلك أنه ذكر الحشر والقول "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد" وقول المسلمين "هذا مكاننا حتى نرى ربنا. قالوا وهل نراه" فذكره، ومضى في الصلاة وغيرها ويأتي في التوحيد من رواية جرير قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر" الحديث مختصر، ويحتمل أن يكون الكلام وقع عند سؤالهم المذكور. قوله: "هل تضارون" بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضرر وأصله تضاررون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحدا ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة، وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضا فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك، يقال ضاره يضيره، وقيل المعنى لا تضايقون أي لا تزاحمون كما جاء في الرواية الأخرى "لا تضامون" بتشديد الميم مع فتح أوله، وقيل المعنى لا يحجب بعضكم بعضا عن الرؤية فيضر به، وحكى الجوهري ضرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا، قال ابن الأثير: فالمراد المضارة بازدحام. وقال النووي: أوله مضموم مثقلا ومخففا قال: وروى "تضامون" بالتشديد مع فتح أوله وهو بحذف إحدى التاءين وهو من الضم، وبالتخفيف مع ضم أوله من الضيم والمراد المشقة والتعب، قال وقال عياض: قال بعضهم في الذي بالراء وبالميم بفتح أوله والتشديد وأشار بذلك إلى أن الرواية بضم أوله مخففا ومثقلا وكله صحيح ظاهر المعنى، ووقع في رواية البخاري "لا تضامون أو تضاهون" بالشك كما مضى في فضل صلاة الفجر، ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا، ومعنى الضيم الغلبة على الحق والاستبداد به أي لا يظلم بعضكم بعضا، وتقدم في "باب فضل السجود" من رواية شعيب "هل تمارون" بضم أوله وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهو الشك، وجاء بفتح أوله وفتح الراء على حذف إحدى التاءين. وفي رواية للبيهقي "تتمارون"
(11/446)

بإثباتهما. قوله: "ترونه كذلك" المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك ورفع المشقة والاختلاف وقال البيهقي سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول: "تضامون" بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض فإنه لا يرى في جهة، ومعناه بفتح أوله لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة، وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة، قال: والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى. وقال الزين بن المنير: إنما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال. وقال ابن الأثير: قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف التشبيه للمرئي وهو غلط، وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه أنه رؤية مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: في الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل، فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل، فاستدل به الخليل على إثبات الوحدانية واستدل به الحبيب على إثبات الرؤية، فاستدل كل منهما بمقتضى حاله لأن الخلة تصح بمجرد الوجود والمحبة لا تقع غالبا إلا بالرؤية، وفي عطف الشمس على القمر مع أن تحصيل الرؤية بذكره كاف لأن القمر لا يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا، والشمس يدركها الأعمى حسا بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها، قال: والتمثيل واقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية، لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك. قلت: وليس في عطف الشمس على القمر إبطال لقول من قال في شرح حديث جرير: الحكمة في التمثيل بالقمر أنه تتيسر رؤيته للرائي بغير تكلف ولا تحديق يضر بالبصر، بخلاف الشمس، فإنها حكمة الاقتصار عليه، ولا يمنع ذلك ورود ذكر الشمس بعده في وقت آخر، فإن ثبت أن المجلس واحد خدش في ذلك، ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن "لا تمارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى" قال النووي: مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج، وهو جهل منهم، فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين، وأجاب الأئمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة، ولا يشترط في الرؤية تقابل الأشعة ولا مقابلة المرئي وإن جرت العادة بذلك فيما بين المخلوقين والله أعلم. واعترض ابن العربي على رواية العلاء وأنكر هذه الزيادة وزعم أن المراجعة الواقعة في حديث الباب تكون بين الناس وبين الواسطة لأنه لا يكلم الكفار ولا يرونه البتة، وأما المؤمنون فلا يرونه إلا بعد دخول الجنة بالإجماع. قوله: "يجمع الله الناس" في رواية شعيب "يحشر" وهو بمعنى الجمع، وقوله في رواية شعيب "في مكان" زاد في رواية العلاء "في صعيد واحد" ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ: "يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر" وقد تقدمت الإشارة إليه في شرح الحديث الطويل في الباب قبله، قال النووي: الصعيد الأرض الواسعة المستوية، وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم، وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم، قال أبو عبيدة: معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم. وقال غيره: المراد بصر الناظرين وهو أولى. وقال القرطبي المعنى أنهم يجمعون في مكان واحد بحيث لا يخفى منهم أحد بحيث لا يخفى منهم أحد لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم،
(11/447)

قال: ويحتمل أن يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم إلى العرض والحساب لقوله: "يوم يدع الداع" وقد تقدم بيان حال الموقف في "باب الحشر" وزاد العلاء بن عبد الرحمن في روايته: "فيطلع عليهم رب العالمين" قال ابن العربي: لم يزل الله مطلعا على خلقه، وإنما المراد إعلامه باطلاعه عليهم حينئذ، ووقع في حديث ابن مسعود عند البيهقي في البعث وأصله في النسائي: "إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم والشمس على رءوسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر"، ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد أنه "يخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة" وسنده حسن، ولأبي يعلى عن أبي هريرة "كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب" وللطبراني من حديث عبد الله بن عمر "ويكون ذلك اليوم أقصر على المؤمن من ساعة من نهار". قوله: "فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر" قال ابن أبي جمرة: في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد دون الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما، وقع في حديث ابن مسعود "ثم ينادي مناد من السماء: أيها الناس أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان تولى؟ قال فيقولون: بلى. ثم يقول: لتنطلق كل أمة إلى من كانت تعبد" وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن "ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد" ووقع في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة في مسند الحميدي وصحيح ابن خزيمة وأصله مسلم بعد قوله إلا كما تضارون في رؤيته "فيلقي العبد فيقول ألم أكرمك وأزوجك وأسخر لك؟ فيقول: بلى فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول. إني أنساك كما نسيتني" الحديث وفيه: "ويلقى الثالث فيقول: آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت، فيقول: ألا نبعث عليك شاهدا؟ فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق. ثم ينادي مناد: ألا لتتبع كل أمة ما كانت تعبد"، قوله: "ومن كان يعبد الطواغيت" الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في تفسير سورة النساء. وقال الطبري: الصواب عندي أنه كل طاغ طغى على الله يعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبد وإما بطاعة ممن عبد إنسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا، قال فاتباعهم لهم حينئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم، ويحتمل أن يتبعوهم بأن يساقوا إلى النار قهرا. ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد "فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب كل الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم" وفيه إشارة إلى أن كل من كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان دالون في ذلك، وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا، لكن وقع في حديث ابن مسعود "فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون" وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن "فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره" فأفادت هذه الزيادة تعميم من كان يعبد غير الله إلا من سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص من عموم ذلك بدليله الآتي ذكره. وأما التعبير بالتمثيل فقال ابن العربي: يحتمل أن يكون التمثيل تلبيسا عليهم، ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب، وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} . قوله: "وتبقى هذه الأمة" قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يحمل على أعم من ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن، ويدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر. قلت: ويؤخذ أيضا
(11/448)

من قوله في بقية الحديث: "فأكون أول من يجيز" فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أممهم. قوله: "فيها منافقوها" كذا للأكثر. وفي رواية إبراهيم بن سعد "فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم" والأول المعتمد، وزاد في حديث أبي سعيد "حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر". وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة. وفي رواية مسلم: "وغبر" وكلاهما جمع غابر، أو الغبرات جمع وغبر جمع غابر، ويجمع أيضا على أغبار، وغبر الشيء بقيته، وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا من كان يوحد الله منهم. وصحفه بعضهم في مسلم بالتحتانية بلفظ التي بالاستثناء، وجزم عياض وغيره بأنه وهم، قال ابن أبي جمرة: لم يذكر في الخبر مآل المذكورين، لكن لما كان من المعلوم أن استقرار الطواغيت في النار علم بذلك أنهم معهم في النار كما قال تعالى: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}. قلت: وقد وقع في رواية سهيل التي أشرت إليها قريبا "فتتبع الشياطين والصليب أولياؤهم إلى جهنم" ووقع في حديث أبي سعيد من الزيادة "ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب - بمهملة ثم موحدة - فيقال اليهود ما كنتم تعبدون" الحديث وفيه ذكر النصارى، وفيه: "فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر" وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عند ابن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم: "فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار". وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن "فيطرح منهم فيها فوج ويقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد" الحديث، وكان اليهود وكذا النصارى ممن كان لا يعبد الصلبان لما كانوا يدعون أنهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين، فلما حققوا على عبادة من ذكر من الأنبياء ألحقوا بأصحاب الأوثان. ويؤيده قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} الآية. فأما من كان متمسكا بدينه الأصلي فخرج بمفهوم قوله: "الذين كفروا" وعلى ما ذكر من حديث أبي سعيد يبقى أيضا من كان يظهر الإيمان من مخلص ومنافق. قوله: "فتدعى اليهود" قدموا بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى. قوله: "فيقال لهم" لم أقف على تسمية قائل ذلك لهم، والظاهر أنه الملك الموكل بذلك. قوله: "كنا نعبد عزيرا ابن الله" هذا فيه إشكال لأن المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك، ويمكن أن يجاب بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به كما وقع في النصارى فإن منهم من أجاب بالمسيح ابن الله مع أن فيهم من كان بزعمه يعبد الله وحده وهم الاتحادية الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم. قوله: "فيقال لهم كذبتم" قال الكرماني: التصديق والتكذيب لا يرجعان إلى الحكم الذي أشار إليه، فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن كذبه أنكر مجيئه بذلك الشيء لا أنه ابن عمرو، وهنا لم ينكر عليهم أنهم عبدوا وإنما أنكر عليهم أن المسيح ابن الله، قال: والجواب عن هذا أن فيه نفي اللازم وهو كونه ابن الله ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله. قال ويجوز أن يكون الأول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام تقتضي الرجوع إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط، قال ابن بطال: في هذا الحديث أن المنافقين يتأخرون مع المؤمنين رجاء أن ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا، فظنوا أن ذلك يستمر لهم، فميز الله تعالى المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة للمنافق ولا تحجيل. قلت: قد ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية، فالتحقيق أنهم في هذا المقام يتميزون بعدم السجود وبإطفاء نورهم بعد أن حصل لهم، ويحتمل أن يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند إطفاء النور. وقال القرطبي: ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين
(11/449)

ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهم في الدنيا جهلا منهم، ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من الإسلام فاستمر ذلك حتى ميزهم الله تعالى منهم، قال: ويحتمل أنهم لما سمعوا "لتتبع كل أمة من كانت تعبد" والمنافق لم يكن يعبد شيئا بقي حائرا حتى ميز. قلت: هذا ضعيف لأنه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئا، وأكثر المنافقين كانوا يعبدون غير الله من وثن وغيره. قوله: "فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون" في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد "في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" وفي رواية هشام بن سعد "ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة" ويأتي في حديث أبي سعيد من الزيادة "فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون وإننا ننتظر ربنا" ووقع في رواية مسلم هنا "فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم" ورجح عياض رواية البخاري. وقال غيره: الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا، أي إنا محتاجون إليه. وقال عياض: بل أحوج على بابها لأنهم كانوا محتاجين إليه في الدنيا فهم في الآخرة أحوج إليه. وقال النووي: إنكاره لرواية مسلم معترض، بل معناه التضرع إلى الله في كشف الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عن طاعته من أقاربهم مع حاجتهم إليهم في معاشهم ومصالح دنياهم، كما جرى لمؤمني الصحابة حين قاطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم، وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه، وأما نسبة الإتيان إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا، وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث. وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه عياض قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك لأنه مخلوق، قال: ويحتمل وجها رابعا وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة -أي بصفة- تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك، فإذا قال لهم هذا الملك أنا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك. انتهى. وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها "فيطلع عليهم رب العالمين" وهو يقوي الاحتمال الأول، قال: وأما قوله بعد ذلك "فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها" فالمراد بذلك الصفة، والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها، وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته لأنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين، وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون: أنت ربنا، وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة. قال: وأما قوله: "نعوذ بالله منك" فقال الخطابي: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين، قال القاضي عياض: وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به. وقال النووي: الذي قاله القاضي صحيح، ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه. انتهى. ورجحه القرطبي في "التذكرة" وقال: إنه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك، فقد جاء في حديث أبي سعيد "حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب" وقال ابن العربي: إنما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله، ولهذا وقع في الصحيح "فيأتيهم الله في صورة - أي بصورة - لا يعرفونها" وهي الأمر باتباع أهل الباطل، فلذلك يقولون
(11/450)

"إذا جاء ربنا عرفناه" أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق. وقال ابن الجوزي: معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه، وهي الصورة التي عبر عنها بقوله: "يكشف عن ساق" أي عن شدة. وقال القرطبي: هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب، وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم، فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة، فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا، حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين. قال: وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة، قال: ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه علامة؟ قلت: وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه: "آية تعرفونها فيقولون الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيصير ظهره طبقا واحدا" أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود، وفي لفظ لمسلم: "فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه إلا أذن له في السجود" أي سهل له وهون عليه "ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد أن يسجد خر لقفاه" وفي حديث ابن مسعود نحوه لكن قال: "فيقولون إن اعترف لنا عرفناه، قال فيكشف عن ساق فيقعون سجودا، وتبقى أصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر" وفي رواية أبي الزعراء عنه عند الحاكم "وتبقى ظهور المنافقين طبقا واحدا كأنما فيها السفافيد" وهي بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يدخل في الشاة إذا أريد أن تشوى. ووقع في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند ابن منده "فيوضع الصراط ويتمثل لهم ربهم" فذكر نحو ما تقدم وفيه: "إذا تعرف لنا عرفناه" وفي رواية العلاء ابن عبد الرحمن "ثم يطلع عز وجل عليهم فيعرفهم نفسه ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيتبعه المسلمون" وقوله في هذه الرواية: "فيعرفهم نفسه" أي يلقي في قلوبهم علما قطعيا يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى. وقال الكلاباذي في "معاني الأخبار" عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه، ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم. ووقع في رواية هشام بن سعد "ثم نرفع رءوسنا وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فنقول: نعم، أنت ربنا" وهذا فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله. وقال الخطابي: هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة إكراما لهم، فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام كما فسرت به {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: ولا إشكال في حصول الامتحان في الموقف لأن آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار. قال: ويشبه أن يقال إنما حجب عنهم تحقق رؤيته أولا لما كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته، فلما تميزوا رفع الحجاب فقال المؤمنون حينئذ: أنت ربنا. قلت: وإذا لوحظ ما تقدم من قوله: "إذا تعرف لنا عرفناه" وما ذكرت من تأويله ارتفع الإشكال. وقال الطيبي: لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحدة منهما ما يخص بالأخرى، فإن القبر أول منازل الآخرة، وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره، والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر وفي الموقف هي آثار ذلك. ووقع في حديث ابن مسعود من الزيادة "ثم يقال للمسلمين
(11/451)

ارفعوا رءوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم" وفي لفظ: "فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه" ووقع في رواية مسلم عن جابر "ويعطى كل إنسان منهم نورا -إلى أن قال- ثم يطفئ نور المنافقين" وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه "فيعطى كل إنسان منهم نورا، ثم يوجهون إلى الصراط فما كان من منافق طفئ نوره" وفي لفظ: "فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية. وفي حديث أبي أمامة عند ابن أبي حاتم "وإنكم يوم القيامة في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه، ثم ينتقلون إلى منزل آخر فتغشى الناس الظلمة، فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه شيئا، فيقول المنافقون للذين آمنوا {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا، فيضرب بينهم بسور". قوله: "فيتبعونه" قال عياض أي فيتبعون أمره أو ملائكته الذين وكلوا بذلك. قوله: "ويضرب جسر جهنم" في رواية شعيب بعد قوله أنت ربنا "فيدعوهم فيضرب جسر جهنم". "تنبيه": حذف من هذا السياق ما تقدم من حديث أنس في ذكر الشفاعة لفصل القضاء، كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الأمور التي تقع في الموقف، فينتظم من الحديثين أنهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار في النار ويبقى من عداهم في كرب الموقف فيستشفعون، فيقع الإذن بنصب الصراط فيقع الامتحان بالسجود ليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط. ووقع في حديث أبي سعيد هنا "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم". قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيز" في رواية شعيب "يجوز بأمته" وفي رواية إبراهيم بن سعد "يجيزها" والضمير لجهنم. قال الأصمعي: جاز الوادي مشى فيه، وأجازه قطعه. وقال غيره: جاز وأجاز بمعنى واحد. وقال النووي: المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط ويقطعه، يقول جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه. وقال القرطبي: يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز، فإذا جاز هو وأمته فكأنه أجاز بقية الناس. انتهى. ووقع في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم "ثم ينادي مناد أين محمد وأمته؟ فيقوم فتتبعه أمته برها وفاجرها، فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار أعدائه فيتهافتون من يمين وشمال، وينجو النبي والصالحون" وفي حديث ابن عباس يرفعه: "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب" وفيه: "فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمر غرا محجلين من آثار الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء". قوله: "ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم" في رواية شعيب "ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل" وفي رواية إبراهيم بن سعد "ولا يكلمه إلا الأنبياء، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم" ووقع في رواية العلاء "وقولهم اللهم سلم سلم" وللترمذي من حديث المغيرة "شعار المؤمنين على الصراط: رب سلم سلم" والضمير في الأول للرسل، ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمي ذلك شعارا لهم، فبهذا تجتمع الأخبار، ويؤيده قوله في رواية سهيل "فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم" وفي حديث أبي سعيد من الزيادة "فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب" وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا "فيمر أولهم كمر البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرحال
(11/452)

تجري بهم أعمالهم" وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن "ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب" وفي حديث ابن مسعود "ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم كالسحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم كشد الرحل حتى يمر الرجل الذي أعطى نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص" وعند ابن أبي حاتم في التفسير من طريق أبي الزعراء عن ابن مسعود "كمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم أجود الإبل ثم كعدو الرجل، حتى إن آخرهم رجل نوره على موضع إبهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط" وعند هناد بن السري عن ابن مسعود بعد الريح "ثم كأسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيا ثم مشيا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فيقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: أبطأ بك عملك" ولابن المبارك من مرسل عبد الله بن شقيق "فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد المضمر، ويجوز الرجل يعدو عدوا ويمشي مشيا حتى يكون آخر من ينجو يحبو". قوله: "وبه كلاليب" الضمير للصراط. وفي رواية شعيب "وفي جهنم كلاليب" وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا "وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به" وفي رواية سهيل "وعليه كلاليب النار" وكلاليب جمع كلوب بالتشديد، وتقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب الجنائز. قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في الحديث الماضي "حفت النار بالشهوات" قال: فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطاطيفها: وفي حديث حذيفة "وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا" أي يقفان في ناحيتي الصراط، وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون، والمعنى أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للأمين والخائن والمواصل والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل. قال الطيبي ويمكن أن يكون المراد بالأمانة ما في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الرحم ما في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله، فكأنهما اكتنفتا جنبتي الإسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطرتي الإيمان والدين القويم. قوله: "مثل شوك السعدان" بالسين والعين المهملتين بلفظ التثنية، والسعدان جمع سعدانة وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه قالوا: مرعى ولا كالسعدان. قوله: "أما رأيتم شوك السعدان" هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة. قوله: "غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله" أي الشوكة، والهاء ضمير الشأن، ووقع في رواية الكشميهني: "غير أنه" وقع في رواية مسلم: "لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله" قال القرطبي: قيدناه -أي لفظ قدر- عن بعض مشايخنا بضم الراء على أنه يكون استفهاما وقدر مبتدأ، وبنصبها على أن تكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم. قوله: "فتخطف الناس بأعمالهم" بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب في الفصيح: خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع. وحكى القزاز عكسه، والكسر في المضارع أفصح. قال الزين بن المنير: تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصون تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة، ثم استثني إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما. وفي رواية السدي "وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس" ووقع في حديث أبي سعيد "قلنا وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة" أي
(11/453)

زلق تزلق فيه الأقدام، ويأتي ضبط ذلك في كتاب التوحيد. ووقع عند مسلم: "قال أبو سعيد: بلغني أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة"، ووقع في رواية ابن منده من هذا الوجه "قال سعيد بن أبي هلال: بلغني" ووصله البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به، وفي سنده لين. ولابن المبارك عن مرسل عبيد ابن عمير "إن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب، إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر" وأخرجه ابن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه: "والملائكة على جنبتيه يقولون: رب سلم سلم" وجاء عن الفضيل بن عياض قال: "بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة، خمسه آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم، لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله" أخرجه ابن عساكر في ترجمته، وهذا معضل لا يثبت، وعن سعيد بن أبي هلال قال: "بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع" أخرجه ابن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل. وأخرج الطبري من طريق غنيم بن قيس أحد التابعين قال: "تمثل النار للناس، ثم يناديها مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، فتخسف بكل ولي لها فهي أعلم بهم من الرجل بولده، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم" ورجاله ثقات مع كونه مقطوعا. قوله: "منهم الموبق بعمله" في رواية شعيب "من يوبق" وهما بالموحدة بمعنى الهلاك، ولبعض رواة مسلم: "الموثق" بالمثلثة من الوثائق، ووقع عند أبي ذر رواية إبراهيم بن سعد الآتية في التوحيد بالشك. وفي رواية الأصيلي: "ومنهم المؤمن -بكسر الميم بعدها نون- بقي بعمله" بالتحتانية وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله، وفي لفظ بعض رواة مسلم: "يعني" بعين مهملة ساكنة ثم نون مكسورة بدل بقي وهو تصحيف. قوله: "ومنهم المخردل" بالخاء المعجمة، في رواية شعيب "ومنهم من يخردل" ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم وكذا لأبي أحمد الجرجاني في رواية شعيب ووهاه عياض والدال مهملة للجميع، وحكى أبو عبيد فيه إعجام الذال ورجح ابن قرقول الخاء المعجمة والدال المهملة. وقال الهروي المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوي في النار، قال كعب بن زهير في بانت سعاد قصيدته المشهورة:
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراديل
فقوله: "معفور" بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب و "خراديل" أي هو قطع، ويحتمل أن يكون من الخردل أي جعلت أعضاؤه كالخردل، وقيل معناه أنها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا، وقيل المخردل المصروع ورجحه ابن التين فقال هو أنسب لسياق الخبر، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر "فمنهم المخردل أو المجازي أو نحوه" ولمسلم عنه "المجازي" بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء. قوله: "ثم ينجو" في رواية إبراهيم بن سعد "ثم ينجلي" بالجيم أي يتبين، ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو، وفي حديث أبي سعيد "فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا" قال ابن أبي جمرة: يؤخذ منه أن المارين على الصراط ثلاثة أصناف: ناج بلا خدوش، وهالك من أول وهلة، ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو. وكل قسم منها ينقسم أقساما تعرف بقوله: "بقدر أعمالهم" واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية مسلم بالمهملة ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض، وقيل مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها، والمراد
(11/454)

أنه ينكفأ في قعرها. وعند ابن ماجه من وجه آخر عن أبي سعيد رفعه: "يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها". قوله: "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده" كذا لمعمر هنا، ووقع لغيره: "بعد هذا" وقال في رواية شعيب "حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار" قال الزين بن المنير: الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه، والمراد إخراج الموحدين وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار، وحاصله أن المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها. وقال ابن أبي جمرة: معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله أنه يرحمهم، وقد سبق في حديث عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي قبله أن الإخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في حديث حذيفة "يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول أخرجوا" وفي حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم أن قائل ذلك آدم، وفي حديث أبي سعيد "فما أنتم بأشد مناشدة في الحق، قد يتبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم المؤمنين يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا" الحديث هكذا في رواية الليث الآتية في التوحيد، ووقع فيه عند مسلم من رواية حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك إن شاء الله تعالى، ويحمل على أن الجميع شفعوا، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك، ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني بسند حسن رفعه: "يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم إلا الله بما عصوا الله واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته، فيؤذن لي في الشفاعة فأثني على الله ساجدا كما أثني عليه قائما، فيقال لي: ارفع رأسك" الحديث. ويؤيده أن في حديث أبي سعيد تشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون، ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب آخر لإخراج الموحدين من النار ولفظه: "وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا، فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم فيخرجون" وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم والبزار رفعه: "وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى. قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ فقالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا. فقال الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين" وفي الباب عن جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله. وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه. ووقع في حديث أبي ب