بَاب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَاصِمٌ مَانِعٌ
 
قَالَ مُجَاهِدٌ سَدًّا عَنْ الْحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلاَلَةِ دَسَّاهَا أَغْوَاهَا
6611- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلاَّ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ"
[الحديث 6611- طرفه في: 7198]
قوله: "باب" بالتنوين "المعصوم من عصم الله" أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في الهلاك أو ما يجر إليه يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه واعتصمت بالله لجأت إليه وعصمة الأنبياء على نبينا وعليهم
(11/501)

الصلاة والسلام حفظهم من النقائص وتخصيصهم بالكمالات النفيسة والنصرة والثبات في الأمور وإنزال السكينة، والفرق بينهم وبين غيرهم أن العصمة في حقهم بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز. قوله: "عاصم مانع" يريد تفسير قوله تعالى في قصة نوح وابنه {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} وبذلك فسره عكرمة فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم بن أبان عنه. وقال الراغب المعنى بقوله: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ} أي لا شيء يعصم منه، وفسره بعضهم بمعصوم، ولم يرد أن العاصم بمعنى المعصوم وإنما نبه على أنهما متلازمان فأيهما حصل حصل الآخر.قوله: "قال مجاهد سدا عن الحق يترددون في الضلالة" كذا للأكثر سدا بتشديد الدال بعدها ألف، وصله ابن أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن نجيح عنه في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً} قال عن الحق، ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {سَدّاً} قال: عن الحق وقد يترددون، ورأيته في بعض نسخ البخاري "سدى" بتخفيف الدال مقصورة وعليها شرح الكرماني فزعم أنه وقع هنا {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي مهملا مترددا في الضلالة، ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا اللفظ الذي أوردته "قال مجاهد {سَدّاً} إلخ" ولم أر في شيء من التفاسير التي تساق بالأسانيد لمجاهد في قوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} كلاما، ولم أر قوله: {فِي الضَّلالَةِ} في شيء من النقول بالسند عن مجاهد، ووقع في رواية النسفي لضلالة بدل قوله في الضلالة. قوله: {دَسَّاهَا بِطَغْوَاهَا} قال الفريابي: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} قال: من أغواها. وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: " {دَسَّاهَا} قال: قال أحدهما أغواها وقال الآخر أضلها. وقال أبو عبيدة دساها أصله دسست، لكن العرب تقلب الحرف المضاعف إلى الياء مثل تظننت من الظن فتقول تظنيت بالتحتانية بعد النون. ومناسبة هذا التفسير للترجمة تؤخذ من المراد بفاعل دساها فقال قوم: هو الله أي قد أفلح صاحب النفس التي زكاها الله وخاب صاحب النفس التي أغواها الله. وقال آخرون: هو صاحب النفس إذا فعل الطاعات فقد زكاها وإذا فعل المعاصي فقد أغواها، والأول هو المناسب للترجمة. وقال الكرماني: مناسبة التفسيرين للترجمة أن من لم يعصمه الله كان سدي وكان مغوي. حديث أبي سعيد الخدري "ما استخلف من خليفة إلا وله بطانتان" الحديث وفيه: "والمعصوم من عصم الله" وسيأتي شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. والبطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والجماعة، والمراد من يطلع على باطن حال الكبير من أتباعه.
(11/502)

باب { وحرم على قرية أهلكناها أنهم لايرجعون أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا }
...