بَاب لاَ يَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَهَلْ يَقُولُ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ
 
(11/539)

6653- وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ "أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فَلاَ بَلاَغَ لِي إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
قوله: "باب لا يقول ما شاء الله وشئت، وهل يقول أنا بالله ثم بك"؟ هكذا بت الحكم في الصورة الأولى وتوقفت في الصورة الثانية، وسببه أنها وإن كانت وقعت في حديث الباب الذي أورده مختصرا وساقه مطولا فيما مضى لكن إنما وقع ذلك من كلام الملك على سبيل الامتحان للمقول له فتطرق إليه الاحتمال. قوله: "وقال عمرو بن عاصم إلخ" وصله في ذكر بني إسرائيل فقال: "حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم" وساقه بطوله. وقد يتمسك به من يقول أنه قد يطلق "قال" لبعض شيوخه فيما لم يسمعه منه ويكون بينهما واسطة، كأنه أشار بالصورة الأولى إلى ما أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور وصححه من طريق عبد الله بن يسار بتحتانية ومهملة عن قتيلة بقاف ومثناة فوقانية والتصغير امرأة من جهينة "أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت" وأخرج النسائي وابن ماجه أيضا وأحد من رواية يزيد بن الأصم عن ابن عباس رفعه: "إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت" وفي أول حديث النسائي قصة وهي عند أحمد ولفظه: "أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال له: "أجعلتني والله عدلا، لا بل ما شاء الله وحده" وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجه أيضا عن حذيفة "أن رجلا من المسلمين رأى رجلا من أهل الكتاب في المنام فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد" وفي رواية النسائي أن الراوي لذلك هو حذيفة الراوي، هذه رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة. وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي عن الطفيل بن سخيرة أخي عائشة بنحوه أخرجه ابن ماجه أيضا، وهكذا قال حماد بن سلمة عند أحمد وشعبة وعبد الله بن إدريس عن عبد الملك، وهو الذي رجحه الحفاظ وقالوا: إن ابن عيينة وهم في قوله عن حذيفة والله أعلم. وحكى ابن التين عن أبي جعفر الداودي قال: ليس في الحديث الذي ذكره نهى عن القول المذكور في الترجمة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وغير ذلك، وتعقبه بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر لأن قوله: "ما شاء الله وشئت" تشريك في مشيئة الله تعالى، وأما الآية فإنما أخبر الله تعالى أنه أغناهم وأن رسوله أغناهم وهو من الله حقيقة لأنه الذي قدر ذلك ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل، وكذا الإنعام أنعم الله على زيد بالإسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فإنها منصرفة لله تعالى في الحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز وقال المهلب: إنما أراد البخاري أن قوله: "ما شاء الله ثم شئت" جائز مستدلا بقوله: "أنا بالله ثم بك" وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاز بدخول "ثم" لأن مشيئة الله سابقة على مشيئة خلقه، ولما لم يكن الحديث المذكور على شرطه استنبط من الحديث الصحيح الذي على شرطه ما يوافقه. وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم
(11/540)

النخعي أنه كان لا يرى بأسا أن يقول: "ما شاء الله ثم شئت" وكان يكره "أعوذ بالله وبك" ويجيز "أعوذ بالله ثم بك" وهو مطابق لحديث ابن عباس وغيره مما أشرت إليه. "تنبيه": مناسبة إدخال هذه الترجمة في كتاب الأيمان من جهة ذكر الحلف في بعض طرق حديث ابن عباس كما ذكرت، ومن جهة أنه قد يتخيل جواز اليمين بالله ثم بغيره على وزان ما وقع في قوله: "أنا بالله ثم بك" فأشار إلى أن النهي ثبت عن التشريك وورد بصورة الترتيب على لسان الملك وذلك فيما عدا الأيمان، أما اليمين بغير ذلك فثبت النهي عنها صريحا فلا يلحق بها ما ورد في غيرها والله أعلم.
(11/541)