بَاب الْيَمِينِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِي الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْغَضَبِ
 
6678- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ "عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ إِنَّ اللَّهَ أَوْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ"
6679- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ "عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا فِي بَرَاءَتِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لاَحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا"
6680- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ "كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا"
قوله: "باب اليمين فيما لا يملك وفي المعصية والغضب" ذكر فيه ثلاثة أحاديث يؤخذ منها حكم ما في الترجمة على الترتيب، وقد تؤخذ الأحكام الثلاثة من كل منها ولو بضرب من التأويل، وقد ورد في الأمور الثلاثة على غير
(11/564)

شرطه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم" أخرجه أبو داود والنسائي ورواته لا بأس بهم، لكن اختلف في سنده على عمرو، وفي بعض طرقه عند أبي داود "ولا في معصية" وللطبراني في الأوسط عن ابن عباس رفعه: "لا يمين في غضب" الحديث وسنده ضعيف. حديث أبي موسى في قصة طلبهم الحملان في غزوة تبوك، اقتصر منه على بعضه، وفيه: "فقال لا أحملكم" وقد ساقه تاما غزوة تبوك بالسند المذكور هنا وفيه: "فقال والله لا أحملكم" وهو الموافق للترجمة، وأشار بقوله: "فيما لا يملك" إلى ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي في "باب الكفارة قبل الحنث" فقال: "والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم" وقد أحلت بشرح الحديث على الباب المذكور، قال ابن المنير: فهم ابن بطال عن البخاري أنه نحا بهذه الترجمة لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة، فنقل الاختلاف في ذلك وبسط القول فيه والحجج، والذي يظهر أن البخاري قصد غير هذا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم، فبين أن يمينه إنما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث كفر، ولكنه حملهم على ما لا يملكه ملكا خاصا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه. وأما قوله عقب ذلك "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها" فهو تأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرا منه لأحنثت نفسي وكفرت عن يميني، قال وهم إنما سألوه أن يحملهم ظنا أنه يملك حملانا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذ لا يملك شيئا من ذلك، قال: ولا خلاف أن من حلف على شيء وليس في ملكه أنه لا يفعل فعلا معلقا بذلك الشيء مثل قوله والله لئن ركبت مثلا هذا البعير لأفعلن كذا لبعير لا يملكه أنه لو ملكه وركبه حنث وليس هذا من تعليق اليمين على الملك، قلت: وما قاله محتمل، وليس ما قاله ابن بطال أيضا ببعيد بل هو أظهر، وذلك أن الصحابة الذين سألوا الحملان فهموا أنه حلف وأنه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله، فلذلك لما أمر لهم بالحملان بعد قالوا "تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه" وظنوا أنه نسى حلفه الماضي، فأجابهم أنه لم ينس ولكن الذي فعله خير مما حلف عليه، وأنه إذا حلف فرأى خيرا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن يمينه، وسيأتي واضحا في "باب الكفارة قبل الحنث" ويأتي مزيد لمسألة اليمين فيما لا يملك في "باب النذر فيها لا يملك" إن شاء الله تعالى. ذكر طرفا من حديث الإفك، وعبد العزيز شيخه هو ابن عبد الله الأويسي، وإبراهيم هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، وحجاج شيخه في السند الثاني هو ابن المنهال، وقد أورده عن عبد العزيز بطوله في المغازي، وأورد عن حجاج بهذا السند أيضا منه قطعة في الشهادات تتعلق بقول بريرة "ما علمت إلا خيرا" وقطعة في الجهاد فيمن أراد سفرا فأقرع بين نسائه، وقطعة في تفسير سورة يوسف مقررنا أيضا برواية عبد العزيز في قول يعقوب "فصبر جميل"، وقطعة في غزوة بدر في قصة أم مسطح وقول عائشة لها "تسبين رجلا شهد بدرا" وقطعة في التوحيد في قول عائشة "ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى" ومجموع ما أورده عنه لا يجيء قدر عشر الحديث، والغرض منه قوله فيه: "قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح والله لا أنفق على مسطح" وهو موافق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف أن لا ينفع مسطحا لكلامه في عائشة فكان حالفا على ترك طاعة فنهى الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية بطريق الأولى، والظاهر من حاله عند الحلف أن يكون قد غضب على مسطح من أجل قوله الذي قاله.
(11/565)

وقال الكرماني: لا مناسبة لهذا الحديث بالجزءين الأولين إلا أن يكون قاسهما على الغضب، أو المراد بقوله وفي المعصية وفي شأن المعصية لأن الصديق حلف بسبب إفك مسطح والإفك من المعصية؛ وكذا كل ما لا يملك الشخص فالحلف عليه موجب للتصرف فيما لا يملكه قبل ذلك أي ليس له أن يفعله شرعا انتهى، ولا يخفى تكلفه، والأولى أنه لا يلزم أن يكون كل خبر في الباب يطابق جميع ما في الترجمة. ثم قال الكرماني: الظاهر أنه من تصرفات النقلة من أصل البخاري فإنه مات وفيه مواضع مبيضة من تراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضافوا بعضا إلى بعض. قلت: وهذا إنما يصار إليه إذا لم تتجه المناسبة وقد بينا توجيهها والله أعلم. قوله: "حدثنا أبو معمر" هو عبد الله بن عمرو، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وأيوب وهو السختياني، والقاسم هو ابن عاصم، وزهدم هو ابن مضرب الجرمي والجميع بصريون، وقوله: "فوافقته وهو غضبان" مطابق لبعض الترجمة، وفي القصة نحو ما في قصة أبي بكر من الحلف على ترك طاعة، لكن بينهما فرق، وهو أن حلف النبي صلى الله عليه وسلم وافق أن لا شيء عنده مما حلف عليه، بخلاف حلف أبي بكر فإنه حلف وهو قادر على فعل ما حلف على تركه. قال ابن المنير: لم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية إلا أن يريد بيمين أبي بكر على قطيعة مسطح وليست بقطيعة بل هي عقوبة له على ما ارتكب من المعصية بالقذف، ولكن يمكن أن يكون أبو بكر حلف على خلاف الأولى، فإذا نهى عن ذلك حتى أحنث نفسه فعل ما حلف على تركه، فمن حلف على فعل المعصية يكون أولى. قال: وكذلك قوله: "فأرى خيرا منها" يقتضي أن الحنث لفعل ما هو الأولى يقتضي الحنث لترك ما هو معصية بطريق الأولى، قال: ولهذا يقضي بحنث من حلف على معصية من قبل أن يفعلها انتهى. والقضاء المذكور عند المالكية كما سيأتي بسطه في "باب النذر في المعصية" قال ابن بطال: في حديث أبي موسى الرد على من قال إن يمين الغضبان لغو
(11/566)

باب إذا قال والله لا أتكلم فصلى أو قرأ أوسبح أو كبر أو حمد أو هلل فهو على نيته
...


الموضوع السابق


بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}