بَاب النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِي مَعْصِيَةٍ
 
6700- حدثنا أبو عاصم عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"
6701- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ
(11/585)

تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَرَآهُ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ"
وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ
6702- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ"
6703- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ"
6704- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب النذر فيما لا يملك وفي معصية" وقع في شرح ابن بطال "ولا نذر في معصية" وقال: ذكر فيه حديث عائشة "من نذر أن يطيع الله فليطعه" الحديث، وحديث أنس في الذي رآه يمشي بين ابنيه فنهاه، وحديث ابن عباس في الذي طاف وفي أنفه خزامة فنهاه، وحديثه في الذي نذر أن يقوم ولا يستظل فنهاه، قال ولا مدخل لهذه الأحاديث في النذر فيما لا يملك وإنما تدخل في نذر المعصية، وأجاب ابن المنير بأن الصواب مع البخاري فإنه تلقى عدم لزوم النذر فيما لا يملك من عدم لزومه في المعصية لأن نذره في ملك غيره تصرف في ملك الغير بغير إذنه وهي معصية ثم قال: ولهذا لم يقل باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية بل قال النذر فيما لا يملك ولا نذر في معصية. فأشار إلى اندراج نذر مال الغير في نذر المعصية فتأمله انتهى. وما نفاه ثابت في معظم الروايات عن البخاري لكن بغير لام وهو لا يخرج عن التقرير الذي قرره لأن التقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في معصية، فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه تصرفا في ملك الغير. وقال الكرماني: الدلالة على الترجمة من جهة أن الشخص لا يملك تعذيب نفسه ولا التزام المشقة التي لا تلزمه حيث لا قربة فيها، ثم استشكله بأن الجمهور فسروا ما لا يملك بمثل النذر بإعتاق عبد فلان انتهى. وما وجهه به ابن المنير أقرب، لكن يلزم عليه تخصيص ما لا يملك بما إذا نذر شيئا معينا كعتق عبد فلان إذا ملكه مع أن اللفظ عام فيدخل فيه ما إذا نذر عتق عبد غير معين فإنه يصح، ويجاب بأن دليل التخصيص الاتفاق على انعقاد النذر في المبهم وإنما وقع الاختلاف في المعين، وقد تقدم التنبيه في "باب من حلف بملة سوى الإسلام" على الموضع الذي أخرج البخاري فيه التصريح بما يطابق الترجمة وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ: "وليس على
(11/586)

ابن آدم نذر فيما لا يملك" وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من وأخرج أبو داود سبب هذا الحديث مقتصرا عليه أيضا ولفظه: نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر ببوانة -يعني موضعا وهو بفتح الموحدة وتخفيف الواو وبنون- فذكر الحديث، وأخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت أسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الذين أسروا المرأة انتهبوها فنذرت إن سلمت أن تنحرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي ثعلبة الحديث دون القصة بنحوه، ووقعت مطابقة جميع الترجمة في حديث عمران بن حصين المذكور، وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن سلمة مثله وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ: "لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك" وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، واختلف فيمن وقع منه النذر في ذلك هل تجب فيه كفارة؟ فقال الجمهور: لا، وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم، ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين، واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة، واحتج من أوجبها بحديث عائشة "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" أخرجه أصحاب السنن ورواته ثقات، لكنه معلول فإن الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين أنه حمله عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه بإسقاط اثنين، وحسن الظن بسليمان وهو عند غيره ضعيف باتفاقهم، وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصح، ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه وشواهد أخرى ذكرتها آنفا. وأخرج الدار قطني من حديث عدي بن حاتم نحوه. وفي الباب أيضا عموم حديث عقبة بن عامر" كفارة النذر كفارة اليمين" أخرجه مسلم، وقد حمله الجمهور على نذر اللجاج والغضب وبعضهم على النذر المطلق، لكن أخرج الترمذي وابن ماجه حديث عقبة بلفظ: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" ولفظ ابن ماجه: "من نذر نذرا لم يسمه" الحديث، وفي الباب حديث ابن عباس رفعه: "من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين" أخرجه أبو داود، وفيه: "ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" ورواته ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه، وأخرجه الدار قطني من حديث عائشة، وحمله أكثر فقهاء أصحاب الحديث على عمومه لكن قالوا: إن الناذر مخير بين الوفاء بما التزمه وكفارة اليمين، وقد تقدم حديث عائشة المذكور أول الباب قريبا وهو بمعنى حديث: "لا نذر في معصية" ولو ثبتت الزيادة لكانت مبينة لما أجمل فيه، واحتج بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس يقتضيه، لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته أن تحج ماشية لتكفر عن يمينها فسمي النذر يمينا، ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شيء، والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء ثم بين أن النذر آكد من اليمين ورتب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة بخلاف الحالف، وهو وجه للحنابلة، واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة فتعينت، واستدل بحديث: "لا نذر في معصية" لصحة النذر في المباح لأن فيه نفي النذر في المعصية فبقي ما عداه ثابتا، واحتج من قال إنه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة "أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال:
(11/587)

"أوف بنذرك" وزاد في حديث بريدة أن ذلك وقت خروجه في غزوة فنذرت إن رده الله تعالى سالما. قال البيهقي: يشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة، ولا يلزم من ذلك القول بانعقاد النذر به، ويدل على أن النذر لا ينعقد في المباح حديث ابن عباس ثالث أحاديث الباب فإنه أمر الناذر بأن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل ويصوم ولا يفطر بأن يتم صومه ويتكلم ويستظل ويقعد، فأمره بفعل الطاعة وأسقط عنه المباح. وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا: "إنما النذر ما يبتغى به وجه الله" والجواب عن قصة التي نذرت الضرب بالدف ما أشار إليه البيهقي، ويمكن أن يقال: إن من قسم المباح ما قد يصير بالفصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوى على قيام الليل وأكلة السحر للتقوى على صيام النهار، فيمكن أن يقال إن إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه وسلم سالما معنى مقصود يحصل به الثواب، وقد اختلف في جواز الضرب بالدف في غير النكاح والختان، ورجح الرافعي في "المحرر" وتبعه في "المنهاج" الإباحة، والحديث حجة في ذلك، وقد حمل بعضهم إذنه لها في الضرب بالدف على أصل الإباحة لا على خصوص الوفاء بالنذر كما تقدم، ويشكل عليه أن في رواية أحمد في حديث بريدة "إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا" وزعم بعضهم أن معنى قولها "نذرت" حلفت، والإذن فيه للبر بفعل المباح، ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث: "أن عمر دخل فتركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر" فلو كان ذلك مما يتقرب به ما قال ذلك، لكن هذا بعينه يشكل على أنه مباح لكونه نسبه إلى الشيطان، ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أن الشيطان حضر لمحبته في سماع ذلك لما يرجوه من تمكنه من الفتنة به فلما حضر عمر فر منه لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك، أو أن الشيطان لم يحضر أصلا وإنما ذكر مثالا لصورة ما صدر من المرأة المذكورة وهي إنما شرعت في شيء أصله من اللهو فلما دخل عمر خشيت من مبادرته لكونه لم يعلم بخصوص النذر أو اليمين الذي صدر منها فشبه النبي صلى الله عليه وسلم حالها بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر والشيء بالشيء يذكر، وقرب من قصتها قصة القينتين اللتين كانتا تغنيان عند النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فأنكر أبو بكر عليهما وقال: "أبمزمور الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم" فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة مثل ذلك في يوم العيد. فهذا ما يتعلق بحديث عائشة. حديث أنس وهو الثاني من أحاديث الباب فذكره هنا مختصرا وتقدم في أواخر الحج قبيل فضائل المدينة بتمامه وأوله "رأى شيخا يهادي بين ابنيه قال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي" فذكر الحديث وفيه: "وأمره أن يركب" وقوله: "قال الفزاري" يعني مروان بن معاوية "عن حميد حدثني ثابت عن أنس" كأنه أراد بهذا التعليق تصريح حميد بالتحديث، وقد وصله في الباب المشار إليه في الحج عن محمد بن سلام عن الفزاري، وبينت هناك من رواه عن حميد موافقا للفزاري ومن رواه عن حميد بدون ذكر ثابت فيه، وذكر المصنف هناك حديث عقبة بن عامر قال: "ندرت أختي أن تمشي إلى بيت الله" الحديث وفيه: "لتمشي ولتركب" وتقدم بعض الكلام عليه ثم. ووقع للمزي في "الأطراف" فيه وهم فإنه ذكر أن البخاري أخرجه في الحج عن إبراهيم بن موسى وفي النذور عن أبي عاصم، والموجود في نسخ البخاري أن الطريقين معا في الباب المذكور من الحج، وليس لحديث عقبة في النذور ذكر أصلا، وإنما أمر الناذر في حديث أنس أن يركب جزما وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب، لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت، وبهذا ترجم البيهقي للحديث، وأورد في
(11/588)

بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس "أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية فقال: إن الله غني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة" وأصله عند أبي داود بلفظ: "ولتهد هديا" ووهم من نسب إليه أنه أخرج هذا الحديث بلفظ ولتهد بدنة، وأورده من طريق أخرى عن عكرمة بغير ذكر الهدي، وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ: "جاء رجل فقال إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت وأنه يشق عليها المشي، فقال: مرها فلتركب إذا لم تستطع أن تمشي فما أغنى الله أن يشق على أختك" ومن طريق كريب عن ابن عباس "جاء رجل فقال: يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا، لتحج راكبة ثم لتكفر يمينها" وأخرجه أصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال: "نذرت أختي أن تحج ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام" ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدي، وقد أخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة "نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة" وفيه: "لتركب ولتلبس ولتصم" وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن عامر نحوه. وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي هريرة "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال نفرت منه الإبل، فإذا امرأة عريانة نافضة شعرها، فقالت: نذرت أن أحج ماشية عريانة نافضة شعري، فقال: "مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما" وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه: "إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب" وفي سنده انقطاع، وفي الحديث صحة النذر بإتيان البيت الحرام، وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لا ينعقد، ثم إن نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لترفهه بتوفر مؤنة الركوب، وإن نذره ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن تنتهي العمرة أو الحج، وهو قول صاحبي أبي حنيفة، فإن ركب بعذر أجزأه ولزمه دم في أحد القولين عن الشافعي، واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة؟ وإن ركب بلا عذر لزمه الدم، وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا إن عجز مطلقا فيلزمه الهدي، وليس في طرق حديث عقبة ما يقتضي الرجوع، فهو حجة للشافعي ومن تبعه، وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شيء مطلقا، قال القرطبي زيادة الأمر بالهدي رواتها ثقات ولا ترد، وليس سكوت من سكت عنها بحجة على من حفظها وذكرها، قال: والتمسك بالحديث في عدم إيجاب الرجوع ظاهر، ولكن عمدة مالك عمل أهل المدينة. "تنبيه": يقال إن الرجل المذكور في حديث أنس هو أبو إسرائيل المذكور في حديث ابن عباس الذي بعد الباب، كذا نقله مغلطاي عن الخطيب، وهو تركيب منه، وإنما ذكر الخطيب ذلك في الرجل المذكور في حديث ابن عباس آخر الباب، وتغاير القصتين أوضح من أن يتكلف لبيانه. حديث ابن عباس في الذي طاف بزمام وهو الحديث الثالث فأورده بعلو عن أبي عاصم عن ابن جريج ولفظه: "رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه" ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج بلفظ: "مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها ثم أمره أن يقوده بيده "والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا، وقد تقدم في "باب الكلام في الطواف" من كتاب الحج من هذين الوجهين عن ابن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود، ووجه إدخاله في أبواب النذر، وأنه عند النسائي من وجه آخر عن ابن جريج، وفيه التصريح بأنه نذر ذلك
(11/589)

بزمام أو غيره فقطعه" ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج بلفظ: "مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها ثم أمره أن يقوده بيده" والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا، وقد تقدم في "باب الكلام في الطواف" من كتاب الحج من هذين الوجهين عن ابن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود، ووجه إدخاله في أبواب النذر، وأنه عند النسائي من وجه آخر عن ابن جريج، وفيه التصريح بأنه نذر ذلك وأن الداودي استدل به على أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لا ينعقد نذره، وتعقب ابن التين له والجواب عن الداودي وتصويبه في ذلك. وهيب في سنده هو ابن خالد، وعبد الوهاب الذي علق عنه البخاري آخر الباب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقد يتمسك بهذا من يرى أن الثقات إذا اختلفوا في الوصل والإرسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة العلم، لأن وهيبا وعبد الوهاب ثقتان، وقد وصله وهيب وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك، والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح إلا إن استووا فيقدم الوصل، والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله، قال الإسماعيلي: وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي. قلت وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال فيستوي الطرفان فيترجح الوصل، وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوة أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل. قوله: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب" زاد الخطيب في "المبهمات" من وجه آخر "يوم الجمعة". قوله: "إذا هو برجل" في رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب "إذ التفت فإذا هو برجل". قوله: "قائم" زاد أبو داود عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه: "في الشمس" وكذا في رواية أبي يعلى. وفي رواية طاوس "وأبو إسرائيل يصلي". قوله: "فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل" في رواية أبي داود "فقالوا هو أبو إسرائيل" زاد الخطيب "رجل من قريش". قوله: "نذر أن يقوم" قال البيضاوي: ظاهر اللفظ السؤال عن اسمه فلذلك ذكروه وزادوا فعله، قال: ويحتمل أن يكون سأل عن حاله فذكروه وزادوا التعريف به ثم قال: ولعله لما كان السؤال محتملا ذكروا الأمرين جميعا. قوله: "ولا يستظل" في رواية الخطيب "ويقوم في الشمس". قوله: "مره" في رواية أبي داود "مروه" بصيغة الجمع. وفي رواية طاوس "ليقعد وليتكلم" وأبو إسرائيل المذكور لا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة واختلف في اسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغر، وقيل يسير بتحتانية ثم مهملة مصغر أيضا، وقيل قيصر باسم ملك الروم، وقيل بالسين المهملة بدل الصاد، وقيل بغير راء في آخره، وهو قرشي ثم عامري، وترجم له ابن الأثير في الصحابة تبعا لغيره فقال: أبو إسرائيل الأنصاري. واغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من الأنصار، والأول أولى. وفي حديثه أن السكوت عن المباح ليس من طاعة الله، وقد أخرج أبو داود من حديث علي "ولا صمت يوما إلى الليل" وتقدم في السيرة النبوية قول أبي بكر الصديق للمرأة إن هذا -يعني الصمت- من فعل الجاهلية" وفيه أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه، وأمره أن يقعد ويتكلم ويستظل، قال القرطبي: في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه فقد قال مالك لما ذكره: ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة.
(11/590)