بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ
 
6725- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ عَلَيْهِمَا السَّلاَم أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ
6726- فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلاَّ صَنَعْتُهُ، قَالَ فَهَجَرَتْهُ
(12/5)

فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ
6727- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ".
6728- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ فَقَالَ الرَّهْطُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ذَلِكَ قَالاَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ بِذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ قَالاَ نَعَمْ فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.
6729- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ".
(12/6)

6730- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَلَيْسَ قَدْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" ؟
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نورث ما تركنا صدقة" هو بالرفع أي المتروك عنا صدقة وادعى الشيعة أنه بالنصب على أن ما نافية ورد عليهم بأن الرواية ثابتة بالرفع، وعلى التنزل فيجوز النصب على تقدير حذف تقديره ما تركنا مبذول صدقة قاله ابن مالك، وينبغي الإضراب عنه والوقوف مع ما ثبتت به الرواية. وذكر فيه أربعة أحاديث: أحدها حديث أبي بكر في ذلك وقصته مع فاطمة، قد مضى في فرض الخمس مشروحا وسياقه أتم مما هنا، وقوله فيه: "إنما يأكل آل محمد من هذا المال " كذا وقع وظاهره الحصر وأيهم لا يأكلون إلا من هذا المال، وليس ذلك مرادا وإنما المراد العكس وتوجيهه أن من للتبعيض والتقدير إنما يأكل آل محمد بعض هذا المال يعني بقدر حاجتهم وبقيته للمصالح. ثانيها حديث عائشة بلفظ الترجمة، وأورده آخر الباب بزيادة فيه. ثالثها حديث عمر في قصة علي والعباس مع عمر في منازعتهما في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قول عمر لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بي أبي وقاص والزبير بن العوام: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة " يريد نفسه؟ فقالوا: قد قال ذلك. وفيه أنه قال مثله لعلي وللعباس فقالا كذلك الحديث بطوله، وقد مضى مطولا في فرض الخمس وذكر شرحه هناك. "تنبيهات": الراء من قوله: "لا نورث " بالفتح في الرواية، ولو روي بالكسر لصح المعنى أيضا، وقوله: فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا للأكثر، وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني خاصة، وقوله: لقد أعطاكموه " أي المال في رواية الكشميهني: أعطاكموها أي الخالصة له، وقوله: "فوالله الذي بإذنه" في رواية الكشميهني بحذف الجلالة. رابعها حديث أبي هريرة وإسماعيل شيخه هو ابن أبي أويس المدني ابن أخت مالك وقد أكثر عنه، وأما إسماعيل بن أبان شيخه في الحديث الذي قبله بحديث فلا رواية له عن مالك. قوله: "لا يقتسم" كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وللباقين "لا يقسم" بحذف التاء الثانية، قال ابن التين: الرواية في الموطأ وكذا قرأته في البخاري برفع الميم على أنه خبر والمعنى ليس يقسم، ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم إن خلف شيئا لا يقسم بعده، فلا تعارض بين هذا وما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما" ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين، ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئا مما جرت العادة بقسمته كالذهب والفضة وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر. قوله: "ورثتي" أي بالقوة لو كنت ممن يورث، أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ: "ورثتي " ليكون الحكم معللا بما به الاشتقاق وهو الإرث، فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله السبكي الكبير. قوله: "ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة" تقدم الكلام على المراد بقوله: "عاملي" في أوائل فرض الخمس مع شرح الحديث وحكيت فيه ثلاثة أقوال، ثم وجدت في "الخصائص لابن دحية " حكاية قول رابع أن المراد خادمه وعبر عن العامل على الصدقة بالعامل على النخل وزاد أيضا وقيل الأجير،
(12/7)

ويتحصل من المجموع خمسة أقوال: الخليفة والصانع والناظر والخادم وحافر قبره عليه الصلاة والسلام، وهذا إن كان المراد بالخادم الجنس، وإلا فإن كان الضمير للنخل فيتحد مع الصانع أو الناظر، وقد ترجم المصنف عليه في أواخر الوصايا " باب نفقة قيم الوقف " وفيه إشارة إلى ترجيح حمل العامل على الناظر. ومما يسأل عنه تخصيص النساء بالنفقة والمؤنة بالعامل وهل بينهما مغايرة؟ وقد أجاب عنه السبكي الكبير بأن المؤنة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوت، قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة، والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه، والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه انتهى ملخصا، ويؤيده قول أبي بكر الصديق " إن حرفتي كانت تكفي عائلتي فاشتغلت عن ذلك بأمر المسلمين " فجعلوا له قدر كفايته. ثم قال السبكي: لا يعترض بأن عمر كان فضل عائشة في العطاء لأنه علل ذلك بمزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها. قلت: وهذا ليس مما بدأ به لأن قسمة عمر كانت من الفتوح، وأما ما يتعلق بحديث الباب ففيما يتعلق بما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يبدأ منه بما ذكر، وأفاد رحمه الله أنه يدخل في لفظ: "نفقة نسائي " كسوتهن وسائر اللوازم وهو كما قال، ومن ثم استمرت المساكن التي كن فيها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم كل واحدة باسم التي كانت فيه، وقد تقدم تقرير ذلك في أول فرض الخمس، وإذا انضم قوله: "إن الذي تخلفه صدقة" إلى أن آله تحرم عليهم الصدقة تحقق قوله: "لا نورث" وفي قول عمر "يريد نفسه" إشارة إلى أن النون في قوله: "نورث" للمتكلم خاصة لا للجمع، وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ: "نحن " لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث" الحديث أخرجه عن محمد ابن منصور عن ابن عيينة عنه، وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن عيينة وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه. وأورده الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر الصديق باللفظ المذكور، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" بنحو اللفظ المذكور، وأخرجه الدار قطني في "العلل" من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق بلفظ: "إن الأنبياء لا يورثون" قال ابن بطال وغيره: ووجه ذلك والله أعلم أن الله بعثهم مبلغين رسالته وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرا كما قال: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك، فكانت الحكمة في أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم، قال: وقوله تعالى :{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} حمله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة، وكذا قول زكريا {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي} وقد حكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن الأكثر على أن الأنبياء لا يورثون، وذكر أن ممن قال بذلك من الفقهاء إبراهيم بن إسماعيل بن علية، ونقله عن الحسن البصري عياض في" شرح مسلم: "وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} قال: العصبة. ومن قوله: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي} قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلا " رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله". قلت: وعلى تقدير تسليم القود المذكور فلا معارض من القرآن لقول نبينا عليه الصلاة والسلام "لا نورث ما تركنا صدقة" فيكون ذلك من
(12/8)

خصائصه التي أكرم بها، بل قول عمر "يريد نفسه" يؤيد اختصاصه بذلك، وأما عموم قوله تعالى :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} إلخ فأجيب عنها بأنها عامة فيمن ترك شيئا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث، وعلى تقدير أنه خلف شيئا مما كان يملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه، وقد اشتهر عنه أنه لا يورث فظهر تخصيصه بذلك دون الناس. وقيل الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال، وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع، وهذا معنى الصدقة العامة. وقال ابن المنير في الحاشية: يستفاد من الحديث أن من قال داري صدقة لا تورث أنها تكون حبسا ولا يحتاج إلى التصريح بالوقف أو الحبس، وهو حسن لكن هل يكون ذلك صريحا أو كناية؟ يحتاج إلى نية، وفي حديث أبي هريرة دلالة على صحة وقف المنقولات وأن الوقف لا يختص بالعقار لعموم قوله: "ما تركت بعد نفقة نسائي " إلخ. ذكر حديث عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة" أورده من رواية مالك عن ابن شهاب عن عروة، وهذا الحديث في الموطأ ووقع في رواية ابن وهب عن مالك حدثني ابن شهاب، وفي الموطأ للدار قطني من طريق القعنبي "يسألنه ثمنهن" وكذا أخرجه من طريق جويرية بن أسماء عن مالك. وفي الموطأ أيضا أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق، وفيه فقالت لهن عائشة وفيه: "ما تركنا فهو صدقة" وظاهر سياقه أنه من مسند عائشة، وقد رواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك بهذا السند عن عائشة عن أبي بكر الصديق أورده الدار قطني في الغرائب وأشار إلى أنه تفرد بزيادة أبي بكر في مسنده، وهذا يوافق رواية معمر عن ابن شهاب المذكورة في أول هذا الباب فإن فيه عن عائشة أن أبا بكر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فذكره، فيحتمل أن تكون عائشة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه أبوها ويحتمل أن تكون إنما سمعته من أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلته عن النبي صلى الله عليه وسلم لما طالب الأزواج ذلك والله أعلم.
(12/9)

باب قول النبي صلى الله عليه و سلم (( من ترك مالا فلأهله ))
...