بَاب ذَوِي الأَرْحَامِ
 
(12/28)

6747- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ - وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصَارِيُّ الْمُهَاجِرِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}
قوله: "باب ذوي الأرحام" أي بيان حكمهم هل يرثون أو لا؟ وهم عشرة أصناف: الخال والخالة والجد للأم وولد البنت وولد الأخت وبنت الأخ وبنت العم والعمة والعم للأم وابن الأخ للأم ومن أدلى بأحد منهم، فمن ورثهم، قال أولاهم أولاد البنت ثم أولاد الأخت وبنات الأخ ثم العم والعمة والخال والخالة، وإذا استوى اثنان قدم الأقرب إلى صاحب فرض أو عصبة. قوله: "إسحاق بن إبراهيم" هو الإمام المعروف بابن راهويه. قوله: "قلت لأبي أسامة حدثكم إدريس" أي ابن يزيد بن عبد الرحمن الأودي والد عبد الله، وطلحة شيخه هو ابن مصرف، وقد نسبه المصنف في التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة وقال في آخره: "سمع إدريس من طلحة وأبو أسامة من إدريس " وقد صرح هنا بالثاني. ووقع في رواية أبي داود عن هارون ابن عبد الله عن أبي أسامة " حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف " وكذا أخرجه الإسماعيلي عن الهنجاني عن أبي كريب عن أبي أسامة، وكذا عند الطبري عن أبي كريب. قوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ - وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}. قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: نسختها {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال ابن بطال: كذا وقع في جميع النسخ نسختها {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} والصواب أن المنسوخة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} والناسخة {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال ووقع في رواية الطبري بيان ذلك ولفظه: "فلما نزلت هذه الآية {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت". قلت: وقد تقدم في الكفالة التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة مثل ما عزاه للطبري فكان عزوه إلى ما في البخاري أولى، مع أن في سياقه فائدة أخرى وهو أنه قال: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} ورثة، فأفاد تفسير الموالي بالورثة، وأشار إلى أن قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} ابتداء شيء يريد أن يفسره أيضا، ويؤيده أنه وقع في رواية الصلت " ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} وبقي قوله نسختها مشكلا كما قال ابن بطال " وقد أجاب ابن المنير في الحاشية فقال: الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} وقوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} بدل من الضمير، وأصل الكلام لما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقال الكرماني: فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني. قلت: ووقع في سياقه هنا أيضا موضع آخر وهو أنه عبر بقوله: "يرث الأنصاري المهاجري " وتقدم في رواية الصلت بالعكس، وأجاب عنه الكرماني بأن المقصود إثبات الوراثة بينهما في الجملة. قلت: والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب على أنه مفعول مقدم فتتحد الروايتان، ووقع في رواية الصلت موضع ثالث مشكل وهو قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} من النصر إلخ، وظاهر الكلام أن قوله من النصر يتعلق بعاقدت أيمانكم وليس كذلك وإنما يتعلق بقوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} وقد بين ذلك أبو كريب في روايته،
(12/29)

وكذلك أخرجه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة، وقد تقدم في تفسير النساء عدة طرق لذلك مع إعراب الآية، والكلام على حكم المعاقدة المذكورة ونسخها بما يغني عن إعادته، والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى :{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخ حكم الميراث الذي دل عليه {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال ابن بطال: أكثر المفسرين على أن الناسخ لقوله تعالى :{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قوله تعالى في الأنفال: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وبذلك جزم أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ". قلت: كذا أخرجه أبو داود بسند حسن عن ابن عباس " قال ابن الجوزي: كان جماعة من المحدثين يرون الحديث من حفظهم فتقصر عباراتهم خصوصا العجم فلا يبين للكلام رونق مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث، وبيان ذلك أن مراد الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الأخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى :{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فلما نزل قوله تعالى :{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصر والرفادة وجواز الوصية لهم، وقد وقع في رواية العوفي عن ابن عباس بيان السبب في إرثهم قال: كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأقاربه الميراث وبقي تابعه ليس له شيء، فنزلت: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فكانوا يعطونه من ميراثه، ثم نزلت: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فنسخ ذلك. قلت: والعوفي ضعيف، والذي في البخاري هو الصحيح المعتمد، وتصحيح السياق قد ظهر من نفس الرواية وأن بعض الرواة قدم بعض الألفاظ على بعض وحذف منها شيئا وأن بعضهم ساقها على الاستقامة وذلك هو المعتمد. قال ابن بطال: اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام وهم من لا سهم له وليس بعصبة، فذهب أهل الحجاز والشام إلى منعهم الميراث، وذهب الكوفيون وأحمد وإسحاق إلى توريثهم، واحتجوا بقوله تعالى :{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} واحتج الآخرون بأن المراد بها من له سهم في كتاب الله لأن آية الأنفال مجملة وآية المواريث مفسرة وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك مالا فلعصبته " وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثا لعصبته دون مواليه فإن فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه، واختلفوا في توريثهم فقال أبو عبيد: رأى أهل العراق رد ما بقي من ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة على ذوي الفروض وإلا فعليهم وعلى العصبة، فإن فقدوا أعطوا ذوي الأرحام، وكان ابن مسعود ينزل كل ذي رحم منزلة من يجر إليه، وأخرج بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم فقسم المال بينهما أثلاثا، وعن علي أنه كان لا يرد على البنت دون الأم، ومن أدلتهم حديث: "الخال وارث من لا وارث له" وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره، وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يراد به إذا كان عصبة ويحتمل أن يريد بالحديث المذكور السلب كقولهم "الصبر حيلة من لا حيلة له" ويحتمل أن يكون المراد به السلطان لأنه خال المسلمين، حكى هذه الاحتمالات ابن العربي.
(12/30)