بَاب الْقَائِفِ
 
6770- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ"
6771- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ "عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ"
قوله: "باب القائف" هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر، سمي بذلك لأنه يقفو الأشياء أي يتبعها فكأنه مقلوب من القافي، تقل الأصمعي: هو الذي يقفو الأثر ويقتافه قفوا وقيافة والجمع القافة، كذا وقع في الغريبين والنهاية. قوله في الطريق الثانية "عن الزهري" في رواية الحميدي عن سفيان "حدثنا الزهري" أخرجه أبو نعيم. قوله: "دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه" تقدم شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فقال ألم ترى إلى مجزز"
(12/56)

في الرواية التي بعدها "ألم ترى أن مجززا" والمراد من الرؤية هنا الإخبار أو العلم، ومضى في مناقب زيد من طريق ابن عيينة عن الزهري "ألم تسمعي ما قال المدلجي" ومضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن محمد عن الزهري بلفظ: "دخل على قائف" الحديث وفيه فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة، ولمسلم من طريق معمر وابن جريج عن الزهري " وكان مجزز قائفا " ومجزز بضم الميم وكسر الزاي الثقيلة وحكى فتحها وبعدها زاي أخرى هذا هو المشهور، ومنهم من قال بسكون الحاء المهملة وكسر الراء ثم زاي وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة، وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد، والعرب تعترف لهم بذلك، وليس ذلك خاصا بهم على الصحيح، وقد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب أن عمر كان قائفا أورده في قصته، وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة، ومجزز المذكور هو والد علقمة بن مجزز الماضي ذكره في "باب سرية عبد الله بن حذافة" من المغازي، وذكر مصعب الزبيري والواقدي أنه سمي مجززا لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جز ناصيته وأطلقه، وهذا يدفع فتح الزاي الأولى من اسمه، وعلى هذا فكان له اسم غير مجزز. لكني لم أر من ذكره. وكان مجزز عارفا بالقيافة، وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر وقال: لا أعلم له رواية. قوله: "نظر آنفا" بالمد ويجوز القصر أي قريبا أو أقرب وقت. قوله: "إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد" في الرواية التي بعدها " دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامها " وفي رواية إبراهيم بن سعد "وأسامة وزيد مضطجعان" وفي هذه الزيادة دفع توهم من يقول: لعله حاباهما بذلك لما عرف من كونهم كانوا يطعنون في أسامة. قوله: "بعضها من بعض" في رواية الكشميهني: "لمن بعض" قال أبو داود: نقل أحمد بن صالح عن أهل النسب أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن، فلما قال القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق ابن سيرين، أن أم أسامة - وهي أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم - كانت سوداء فلهذا جاء أسامة أسود، وقد وقع في الصحيح عن ابن شهاب أن أم أيمن كانت حبشية وصيفة لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل، فصارت لعبد المطلب فوهبها لعبد الله، وتزوجت قبل زيد عبيد الحبشي فولدت له أيمن فكنيت به واشتهرت بذلك، وكان يقال لها أم الظباء، وقد تقدم لها ذكر في أواخر الهبة. قال عياض: لو صح أن أم أيمن كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة لأن السوداء قد تلد من الأبيض أسود. قتلت: يحتمل أنها كانت صافية فجاء أسامة شديد السواد فوقع الإنكار لذلك، وفي الحديث جواز الشهادة على المنتقبة والاكتفاء بمعرفتها من غير رؤية الوجه، وجواز اضطجاع الرجل مع ولده في شعار واحد، وقبول شهادة من يشهد قبل أن يستشهد عند عدم التهمة، وسرور الحاكم لظهور الحق لأحد الخصمين عند السلامة من الهوى، وتقدم في "باب إذا عرض بنفي الولد" من كتاب اللعان حدث أبي هريرة في قصة الذي قال: "إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعله نزعه عرق " ومضى شرحه هناك وبالله التوفيق "تنبيه": وجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض الرد على من زعم أن القائف لا يعتبر قوله، فإن من اعتبر قوله فعمل به لزم منه حصول التوارث بين الملحق والملحق به.
(12/57)

"خاتمة": اشتمل كتاب الفرائض من الأحاديث المرفوعة على ثلاثة وأربعين حديثا، المعلق منها حديث تميم الداري فيمن أسلم على يديه رجل والبقية موصولة، والمكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وثلاثون حديثا والبقية خالصة لم يخرج مسلم منها سوى حديث أبي هريرة " في الجنين غرة " وحديث ابن عباس " ألحقوا الفرائض بأهلها " وأما حديث معاذ في توريث الأخت والبنت وحديث ابن مسعود في توريث بنت الابن وحديثه في السائبة وحديث تميم الداري المعلق فانفرد البخاري بتخريجها. وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أربعة وعشرون أثرا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12/58)