بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ زَوَانِي وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ أَخِلاَءَ
 
قوله: "باب قول الله تعالى :{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية" كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، قال الواحدي قرئ {الْمُحْصَنَاتِ} في القرآن بكسر الصاد وفتحها إلا في قوله تعالى :{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فبالفتح جزما، وقرئ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} بالضم وبالفتح، فالبضم معناه التزويج وبالفتح معناه الإسلام، وقال غيره: اختلف في إحصان الأمة، فقال الأكثر إحصانها التزويج، وقيل العتق، وعن ابن عباس وطائفة إحصانها التزويج، ونصره أبو عبيد وإسماعيل القاض واحتج له بأنه تقدم في الآية قوله تعالى :{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} فيبعد أن يقول بعده فإذا أسلمن، قال: فإن كان المراد التزويج كان مفهومه أنها قبل أن تتزوج لا يجب عليها الحد إذا زنت، وقد أخذ به ابن عباس فقال: لأحد على الأمة إذا زنت قبل أن تتزوج، وبه قال جماعة من التابعين، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وهو وجه للشافعية، واحتج بما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس " ليس على الأمة حد حتى تحصن " وسنده حسن لكن اختلف في رفعه ووقفه والأرجح وقفه وبذلك جزم ابن خزيمة وغيره، وادعى ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" أنه منسوخ بحديث الباب، وتعقب بأن النسخ يحتاج إلى التاريخ وهو لم يعلم، وقد عارضه حديث على "أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن" واختلف أيضا في رفعه ووقفه، والراجح أنه موقوف، لكن سياقه في مسلم يدل على رفعه فالتمسك به أقوى، وإذا حمل الإحصان في الحديث على التزويج وفي الآية على الإسلام حصل الجمع، وقد بينت السنة أنها إذا زنت قبل الإحصان تجلد، وقال غيره التقييد بالإحصان يفيد أن الحكم في حقها الجلد لا الرجم، فأخذ حكم زناها بعد الإحصان من الكتاب وحكم زناها قبل الإحصان من السنة، والحكمة فيه أن الرجم لا ينتصف فاستمر حكم الجلد في حقها. قال البيهقي: ويحتمل أن يكون نص على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها لا على إرادة إسقاط الجلد عنها إذا لم تتزوج، وقد بينت السنة أن عليها الجلد
(12/161)

وإن لم تحصن. قوله: "غير مسافحات زواني، ولا متخذات أخدان أخلاء" بفتح الهمزة وكسر المعجمة والتشديد جمع خليل، وهذا التفسير ثبت في رواية المستملي وحده، وقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، والمسافحات جمع مسافحة مأخوذ من السفاح وهو من أسماء الزنا، والأخدان جمع خدن بكسر أوله وسكون ثانيه وهو الخدين والمراد به الصاحب، قال الراغب: وأكثر ما يستعمل فيمن يصاحب غيره بشهوة، وأما قول الشاعر في المدح "خدين المعالي" فهو استعارة. قلت: والنكتة فيه أنه جعله يشتهي معالي الأمور كما يشتهي غيره الصورة الجميلة فجعله خدينا لها. وقال غيره: الخدين الخليل في السر.